1- الغاية من خلق الجنِّ والإنس:
لقد جاء البيان المفصَّل للغاية التي خلق الإنسان لها في خبر الله تعالى وفي أمره:
أما الخبرُ ففي قوله سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، فأخبر تعالى أنَّه: «خَلَقَ الخلقَ لعبادته»([1]).
وأمَّا الأمر ففي قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البيِّنة: 5]؛ «فكلُّ واحدٍ لم يُؤمَرْ إلَّا بعبادة الله بما أَمَر، والإخلاصِ له في العبادة»([2]).
ذلك لأنَّ كلًّا من الخلق والأمر من الله تعالى وحده: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54]، فمحالٌ أن يخلقَ الله تعالى خلقَه لغايةٍ، ثم يأمرَهم بغيرها، لأن هذا منافٍ لعلمه وعدله وحكمته ورحمته، لهذا جاء أمره لهم مطابقًا للغاية التي خلقهم لأجلها وهي «العبادة»، وجاء في كتاب الله تعالى من تجلية هذا الأمر، وتقريره، والتأكيد عليه؛ ما يناسب أهميَّته البالغة، ومنزلته العالية، حتَّى إنَّه ليمثِّل الموضوعات الأساسية في القرآن الكريم.
2- الغاية من إرسال الرسل وما قامت عليه دعوتهم:
لقد بيَّن الله تعالى - بأدلة عمومية وخصوصية - أن دعوة جميع الرسل واحدةٌ، وهي تحقيق معنى: «لا إله إلا الله»، فقال معمِّمًا لجميعهم: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]، وقال: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]، وقال: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف: 45]؛ إلى غير ذلك من الآيات. وقال في تخصيص الرُّسل بأسمائهم: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59، المؤمنون: 23]، {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ} [نوح: 1-3]، {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 65، هود: 50]، {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 73، هود: 61]، {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 85، هود: 84]، إلى غير ذلك من الآيات.
3- الأوامر والنواهي:
فأعظم أمرٍ في كتاب الله هو الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، وأعظم نهيٍ فيه هو النهي عمَّا ينافي ذلك من الشرك والكفر والنفاق. قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 21-22]، وهاتان الآيتان الكريمتان هما أول موضع في المصحف جاء فيه الأمر والنهي، وقد اشتملتا على أعظم مأمور به وهو عبادة الله عز وجل في قوله: {اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ}، وأعظم منهي عنه وهو الشرك في قوله: {فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}. وقال تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [الأنعام: 151]، وقال: {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [غافر: 66]، وقال جلَّ شأنُه: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65]، وقال عزَّ وجلَّ: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162-163].
4- التزهيد الدنيا والتقليل من شأنها وذمِّ طُلَّابها والعاملين من أجلها:
فلا يردُ في كتاب الله عزَّ وجلَّ وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ذِكْرُ «الحياة الدنيا» وما فيها من المكاسب والمتع المادية؛ إلا على سبيل التزهيد فيها، والتقليل من شأنها، والتحذير من الانشغال بزخرفها عن عبادة الله والدار الآخرة، والإخبار أنَّ طُلَّابَها والعاملين من أجلها هم الخاسرون الأرذلون يوم القيامة، والآيات والأحاديث في هذا كثيرة وافرة:
قَالَ الله تَعَالَى: {إِنَّمَا مَثَلُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ والأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيهَا أتَاهَا أمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [يونس: 24].
وقال تَعَالَى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا * المَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الحَياةِ الْدُّنْيَا وَالبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [الكهف: 45 - 46].
وقال تَعَالَى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الحَياةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ في الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أعْجَبَ الْكُفّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذابٌ شَديدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ الله ورِضْوَانٌ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ} [الحديد: 20].
وقال تَعَالَى: {زُيِّنَ لِلْنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالبَنِينَ وَالقَنَاطِيرِ المُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالْخَيْلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَياةِ الْدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ المآبِ} [آل عمران: 14].
وقال تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الحَياةُ الْدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الغَرُورُ} [فاطر: 5].
وقال تَعَالَى: {ألْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ المَقَابِرَ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)} [التكاثر].
وقال تَعَالَى: {وَمَا هذِهِ الحَياةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 64]
وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: 15-16].
وقال سبحانه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا * لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا} [الإسراء: 18-22].
وقال جلَّ ذِكرُه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى: 20].
وقال عزَّ شأنه: {فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة: 55].
وقال سبحانه: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الأنعام: 32].
«والآيات في الباب كثيرة مشهورة، وأما الأحاديث فأكثر مِنْ أن تحصر فننبِّهُ بطرف منها عَلَى مَا سواه»([3]):
عن عمرو بن عوف الأنصاري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عُبيدة بن الجرَّاح رضي الله عنه إلى البحرين يأتي بجزيتها، فقدم بمال من البحرين، فسمِعَتِ الأنصارُ بقدوم أبي عبيدة، فوافوا صلاةَ الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف، فتعرَّضوا له، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم، ثم قال: «أظنُّكم سمعتم أنَّ أبا عبيدة قدم بشيءٍ من البحرين؟»، فقالوا: أجل يا رسول الله. فقال: «أبشروا، وأَمِلُّوا ما يسرُّكم، فوالله ما الفقرَ أخشى عليكم، ولكنِّي أخشى أن تُبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلكَكُم كما أهلكَتهم»([4]).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، وجلسنا حولَه، فقال: «إنَّ مما أخاف عليكم مِنْ بعدي ما يُفتح عليكم من زَهرة الدُّنيا وزينَتِها»([5]).
وعنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ الدنيا حُلوةٌ، خَضِرةٌ، وإن الله تعالى مستَخْلِفُكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتَّقوا الدنيا، واتقوا النساء»([6]).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تعِسَ عبد الدينار، والدرهم، والقطيفة، والخميصة؛ إن أُعطي رضي، وإن لم يُعط لم يرض»([7]).
وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدنيا سِجْنُ المؤمن، وجنَّة الكافر»([8]).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، فقال: «كُن في الدنيا كأنك غريبٌ، أو عابر سبيل». وكان ابن عمر رضي الله عنهما، يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك([9]).
5- العقوبات الدنيوية:
فقد ذكر الله عزَّ وجلَّ أن أعظم أسباب هلاك الأمم هو الشرك المنافي للغاية التي خلقوا من أجلها، فقال سبحانه: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ} [الروم: 42]؛ أي: «فَعَلنا ذلك بهم؛ لأنَّ أكثرَهم كانوا مشركين باللهِ مثلَهم»([10]). وقال: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} [يونس: 13]، والظلمُ: الشِّرك، كما في قول لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]، وهلاك الأمم كلِّها كان بسبب الذنوب، كما قال تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ} [الأنعام: 6]، وأعظم الذنوب وأقبحها ما ينافي إخلاص العبادة لله ربِّ العالمين، وهو الشرك، لهذا لمَّا سُئل النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أيُّ الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل لله نِدًّا وهو خلقك» ([11]).
6- العبادة هي ميزان الآخرة والخلودِ الأبدي في الجنة أو النار:
فمن تأمَّل الآيات الكثيرة في كتاب الله في وصف الجنة والنار، وصفة أهلهما، وأسباب دخولهما؛ سيجدها تدور على حقيقة كليَّة جامعة، وهي: أن من حقَّق الغاية التي خلقه الله من أجلها، فعبد الله تعالى وحده، ولم يُشرك به شيئًا؛ دخل الجنة، ومن فوَّت هذه الغاية، وضيَّع معنى وجوده: دخل النَّار خالدًا مخلَّدًا فيها. قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأحقاف: 13-14]، وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الّذِينَ قَالُوَاْ إِنّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْن مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيح يَا بَنِيَ إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبّي وَرَبّكُمْ إِنّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرّم اللّهُ عَلَيهِ الْجَنّةَ وَمَأْوَاهُ النّارُ وَمَا لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} [المائدة: 72]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله تعالى قد حرَّمَ على النَّار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وَجْهَ الله»([12])، وقال صلى الله عليه وسلم: «مَن لقيَ الله لا يُشركُ به شيئًا دخلَ الجنَّةَ، ومن لقيه يُشركُ به شيئًا دخل النَّارَ»([13]).
وهذا يشمل حتَّى من كان حسن الخُلُق، طيب المعاملة، جميل العشرة، ذا آثار طيبة في الحياة الدنيا لكنَّه أخلَّ بالغاية التي خلق من أجلها، فلم يعبُد ربَّه، ولا عمل للآخرة، فمصيره كما قال الله تعالى عن الكافرين الذين لا يرجون لقاءَه عزَّ وجلَّ: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23]، وقال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ} [إبراهيم: 18]، وقال عزَّ وجلَّ: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} [النور: 39]. وعَنْ عائشةَ قالت: قلت: يا رسولَ الله ابنُ جُدْعانَ، كَانَ في الجاهليَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، ويُطْعِمُ المسكينَ، فهل ذاك نافعُه؟ قال: «لا ينفَعُه. إنَّه لم يَقُلْ يومًا: رَبِّ اغْفِرْ لي خطيئتي يومَ الدِّينِ»([14]).
هذا مصير الكافر الذي ضيَّعَ الغايةَ من وجوده، أما المسلم العابدُ الموحِّد، الذي لم ينقضْ أصل عبوديته لله بناقض من نواقض الإسلام؛ فإنه يدخل الجنةَ ولا بدَّ، فلا يُخلَّد في النَّار، حتى لو دخلها بسببِ ذنوبه ومعاصيه، وسوءِ أخلاقه، وظلمِه لعباد الله تعالى.
7- حقُّ الله أولًا وأصالةً، وحقوق الخلق ثانيًا وتبعًا:
لقد تبيَّن ممَّا تقدم في الفقرات السابقة أنَّ حقَّ الله تعالى هو أعظم الحقوق على المخلوق، وأنَّه مقدَّم على حقوق غيره، فهذه تأتي - مهما كانت عظيمةً وجليلةً - في درجةٍ ثانيةٍ بعد حقِّ الخالقِ العظيم، ربِّ السماوات والأرض، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}، وقد تكرَّرت هذه الآية في موضعين من سورة النساء، الآية (48) والآية (116)، خُتمت الأولى بقوله تعالى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}، وختمت الثانية بقوله: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا}، وما هذا التكرار إلا للتنبيه والتأكيد على أهمية توحيد العبادة، وتقديمه على كلِّ حقٍّ سواه.
ولما نزلت هذه الآية: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 82]؛ شقَّ ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا: أيُّنا لم يظلم نفسه؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ليس كما تظنُّونَ، إنما هو كما قال لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}»([15]).
إنَّ الآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، ولم يفهم منها الصحابة رضي الله عنهم، ولا من جاء بعدهم من أهل العلم والإيمان: أنَّ ظلم النفس أو الغير مباحٌ، أو غيرُ ذي بالٍ، وإنما فهموا منها أن الشركَ هو الظلم الأكبر وأصله ومنبعه، كما أنَّ التوحيد هو العدل الأكبر وأصله ومنبعه، وظلم النفس والغير في درجة ثانية بعد ذلك، ومع ذلك ففي القرآن والسنة من تعظيم حقوق الخلق، والترهيب الشديد والوعيد الأكيد للمعتدين عليها؛ ما فيه كفايةٌ في حفظها وصيانتها وعدم الاعتداء عليها، وهو عامٌّ في حقوق المسلمين وغير المسلمين، بل حتَّى الحيوان، وقد أخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أنَّ امرأةً دخلت النَّارَ في هِرَّةٍ ربطتها، فلم تُطعمها، ولم تَسْقِها، ولم تُرسلها فتأكُلَ من خشاش الأرض»([16])، بينما أخبر صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: «أنَّ امرأةً بَغِيًّا رأتْ كلبًا في يومٍ حارٍّ يُطيفُ ببئرٍ، قد أدْلَعَ لسانَهُ من العطش، فنزَعَتْ له بمُوقِها؛ فغُفِرَ لها»([17]).
لقد ربَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابه على التوازن والاعتدال، فعلموا أنَّ حقَّ الله عزَّ وجلَّ هو الحقُّ الأعظم، لكنَّهم لم يستخفُّوا بحقوق المخلوقين، بل علموا أنَّ المسلمَ الموحِّد إن كان ظالمًا فاسقًا فإنَّه على خطرٍ عظيمٍ، فإنه قد يعذَّب في القبر، وقد يدخل النار، لكنه لا يُخلَّد فيها لعدم تضييعه الحقَّ الأكبر، ولعدم تلبُّسه بالظلم الأكبر، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ حقَّ الله على العباد أنْ يعبُدُوه ولا يشركوا به شيئًا، وحقَّ العباد على الله أنْ لا يعذِّبَ من لا يُشرك به شيئًا»([18])، وهذا معنى الحديث الصحيح المتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن شهدَ أن لا إله إلا الله وجبتْ له الجنَّةُ»([19])، وعليه بنى أهل السنة والجماعة اعتقادَهم أنَّ: «أهل الكبائر من أمَّة محمدٍ صلى الله عليه وسلم في النَّار لا يُخلَّدون، إذا ماتوا وهم موحِّدُون، وإن لم يكونوا تائبين»([20]).
8 و9- معيار صلاح الأعمال وقبولها عند الله تعالى: الإخلاص والمتابعة:
هذان أصلان عظيمان من الأصول الكليَّة لدين الإسلام وجميعِ تكاليفه الشرعية، يُدرِك بهما كلُّ عاقلٍ الغايةَ من الخَلْق والعبادة والتشريع؛ فإنَّ مناط صلاح الأعمال وزكاتها عند الله تعالى، وشرط قبولها عنده، وثوابه عليها؛ أن تجمع بين هذين الأمرين:
أولًا: أن تكون خالصةً لوجهه الكريم، لا شرك فيها، ولا رياء، ولا سمعة، ولا إرادة للدنيا ومكاسبها العاجلة، وأن تؤدَّى بنية التقرُّب إليه، وطلب ثوابه عليها.
ثانيًا: وتكون - في نفس الوقت - موافقةً لما شرعه الله تعالى لعباده وأمرهم به على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
فهذا معيار صلاح الأعمال وقبولها عند الله عز وجلَّ، وهو معيارٌ ديني تعبديٌّ محضٌ، لا ينظر فيه إلى فائدة تلك الأعمال، والمنافع المترتبة عليها في الدنيا؛ إلا بعد تحقق هذين الشرطين؛ كما قال تعالى: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} [الليل: 19-20]، وقال تعالى عن المؤمنين المقبولين عنده: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا} [الإنسان: 7-11]، وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى: 20]، وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [الإسراء: 18-19]، ثم بيَّن سبحانه أن متع الحياة الدنيا الزائلة ينالها الكافرُ والمسلم، فلا تدلُّ على فضل ولا منزلة، وإنما العبرة بمراتب الناس يوم القيامة: {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا} [الإسراء: 19].
قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: «وبالجملة؛ فمعنا أصلان عظيمان، أحدهما: أن لا نعبد إلا الله. والثاني: أن لا نعبده إلا بما شرع، لا نعبده بعبادةٍ مبتدعةٍ. وهذان الأصلان هما تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، كما قال تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود: 7، الملك: 2]. قال الفُضَيل بن عِيَاض: أخلصه وأصوبه. قالوا: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يُقبل حتى يكون خالصًا صوابًا، والخالصُ أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة([21]). وذلك تحقيق قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]، وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يقول في دعائه له: اللهم اجعل عملي كله صالحًا، واجعله لوجهك خالصًا، ولا تجعل لأحد فيه شيئًا([22]). وقال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21]، وفي «الصحيحين» عن عائشة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَنْ أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ»([23])، وفي لفظٍ في «الصحيح»: «مَنْ عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ»([24]). وفي «الصحيح» وغيره أيضًا: «يقول الله تعالى: أنا أغنَى الشركاء عن الشِّرك؛ من عمل عملًا أشركَ فيه غيري فأنا منه بريء؛ وهو كلُّه للَّذي أَشرَكَ»([25]). ولهذا قال الفقهاء: «العبادات مبناها على التوقيف»؛ كما في «الصحيحين» عن عمر بن الخطاب أنه قبَّلَ الحجر الأسود وقال: والله إني لأعلم أنك حجرٌ، لا تضرُّ ولا تنفع، ولولا أنِّي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقبِّلُك ما قبَّلتكَ([26]). والله سبحانه أمرنا باتِّباع الرسول وطاعته، وموالاته ومحبته، وأن يكون الله ورسوله أحب إلينا مما سواهما، وضمن لنا بطاعته ومحبته محبة الله وكرامته؛ فقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران: 31]، وقال تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [النور: 54]، وقال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} [النساء: 13-14]، وأمثال ذلك في القرآن كثير»([27]).
الهوامش:
([1]) قاله الإمام الشافعي رحمه الله في تفسيره للآية كما في «الأم» تحقيق: رفعت فوزي، دار الوفاء، القاهرة، 5/361.
([2]) قاله الإمام ابن قيِّم الجوزية في «مدارج السالكين»، دار الصميعي، الرياض: 1432، 1/348.
([3]) قاله النوويُّ رحمه الله في «رياض الصالحين» باب: فضل الزهد في الدنيا والحث على التقلُّل منها وفضل الفقر. والأحاديث المذكورة أعلاه انتقيتها من هذا الباب.
([4]) أخرجه البخاري (3158)، ومسلم (2961).
([5]) أخرجه البخاري (1465)، ومسلم (1052).
([7]) أخرجه البخاري (2887)، و(6435).
([10]) قاله ابن جرير الطبري في «تفسيره» دار هجر، القاهرة، 18/514.
([11]) أخرجه البخاري (4477)، ومسلم (86) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
([12]) أخرجه البخاري (425)، ومسلم (33) من حديث عِتبانَ بن مالك رضي الله عنه.
([13]) أخرجه البخاري (129)، ومسلم (93) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
([14]) أخرجه مسلم (214) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
قلتُ: ليوازن المؤمن الذي يبتغي وجه الله والدار الآخرة بين هذا الجواب النبوي الحقِّ وعبارات المدح والثناء والتعظيم والإشادة التي أطلقها بعض الدعاة الإسلاميون في حقِّ نيلسون مانديلا، خاصة بمناسبة وفاته في: 5/1/2014م، فقد بدا واضحًا أنَّ الدنيا هي الميزان الأساس عندهم، وأن أمر الآخرة أصبحت قضية هامشية في تفكيرهم وخطابهم ودعوتهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
([15]) أخرجه البخاري (6937)، ومسلم (124) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
([16]) أخرجه أحمد (2/261) (7538) , والبخاري (3318)، ومسلم (2242) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه.
([17]) أخرجه البخاري (3467)، ومسلم (2245) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والبَغِيُّ: هي الزانية. ويُطيف: أي يدور حولها. وأدلع لسانه: أي أخرجه لشدة العطش. والموقُ: هو الخفُّ. ومعنى نزعت له بموقها: أي استَقَت به الماءَ من البئر.
([18]) أخرجه البخاري (2856)، ومسلم (30) من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه.
([19]) أورده السيوطيُّ في «الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة» (3) من رواية أربعة وثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها في «الصحيحين» حديث: معاذ بن جبل، وعتبان بن مالك، وأبي ذر الغفاريِّ، وعثمان بن عفَّان، رضي الله عنهم أجمعين.
([20]) من كلام الإمام أبي جعفر الطحاوي (ت: 321) رحمه الله في رسالته في الاعتقاد، المسماة بالعقيدة الطحاوية.
([21]) أخرجه البيهقي في «السنن الصغير» (6)، و«شعب الإيمان» (6505)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» 8/95.
([22]) أخرجه أحمد في «الزهد» (616).
([23]) أخرجه البخاري (2697)، ومسلم (1718).
([24]) أخرجه مسلم (1718) (18).
([25]) أخرجه مسلم (2985)، وابن ماجه (4202) ـ واللفظ له ـ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.