الحج السياسي


الحج السياسي

 

بِسم اللهِ الرحمنِ الرحيمِ

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أيها الإخوة والأخوات …        

في حج سنة 1407 شهدت الديار المقدسة مسيراتٍ ومظاهراتٍ وأعمال شغب من قبل الحجاج الإيرانيين؛ تلبية لدعوة إمامهم الخميني إلى ما أسماه بالحج السياسي، وقد ظن أكثر الناس أن ذلك كان موقفاً سياسياً مرتبطاً بالحرب العراقية الإيرانية، ولكن الحقيقة أن ذلك مرتبط برؤية متكاملة ونظرة فلسفية في تفسير الدين، وحقيقة العبادة عند الخميني.

فإنه يفسر الدين والعبادة تفسيراً فلسفياً، ويجعل الغاية والمقصد من النبوة، والرسالة، والعبادة، والشريعة: إقامة العدل، وإقامة الحكومة الإسلامية، كما قال الخميني نفسه في خطبته الشهيرة ليلة النصف من شعبان سنة 1400، قال الخميني: كل نبي من الأنبياء إنما جاء لإقامة العدل، وكان هدفه تطبيقه في العالم، لكنه لم ينجح، وحتى خاتم الأنبياء الذي قد جاء لاصلاح البشر وتهذيبهم، وتطبيق العدالة، فإنه هو أيضاً لم يوفق. هكذا قال الخميني والله المستعان.

وفي ضوء هذا التفسير الباطل للرسالة المحمدية، فإن الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وسائر العبادات، إنما هي: وسائل وأدوات لتحقيق تلك الغاية، وهي: إقامة الحكومة وتحقيق العدل.

وهكذا ينبغي أن نفهم تلك الشعارات، والمقولات، والمقالات، والمحاضرات، التي تطلق كلما جاء موسم الحج، فيتم نشر مفاهيم تشوه صورة الحج وحقيقة الحج، فيقولون: الحج (مؤتمر سياسي)، الحج (مظاهرة إسلامية)، (التنمية بالحج)، وأطلق بعضهم مشروع (صناعة الحياة بالتنمية بالحج)، الحج (محفل لإعلان المواقف السياسية)، الحج (مساواة واشتراكية) و(إنهاء للطبقية)، الحج (مجلس شورى المسلمين)، إلى غير ذلك من الشعارات الكثيرة المتداولة في وسائل الإعلام المختلفة.

إن كل مسلم موحد لله عز وجل لم تتلوث فطرته وتدينه بمثل هذه الأفكار في تفسير الدين؛ ليدرك بطلان هذا التفسير للحج، فلو كان الحج مؤتمراً سياسياً فلماذا يدعى إليه البسطاء والفقراء والضعفاء، وإذا كان الحج إنهاء للطبقية وإعلان للاشتراكية فلماذا لم يأمر الإسلام الأغنياء بالتخلي عن أموالهم، ولماذا يرجع الحاج الغني من حجه غنياً كما يرجع الحاج الفقير فقيراً، نحن لا ننكر أن للحج منافع وفوائد نفسية، واجتماعية، واقتصادية، لا شك في ذلك، ولا شك أن في كل ما شرعه الله خير وهدى ورشاد.

أما الغاية والمقصد وأصل تشريع عبادة الحج فشيءٌ آخر.

الحج تحقيق للعبودية لله الواحد الأحد، الحج إعلان للتوحيد الخالص الخالي من كل شرك وتحريف، الحج استجابة للنداء الإلهي العظيم.

لهذا فإن الذين يرددون كل سنة، ماذا استفاد المسلمون من الحج؟ ما هو التغيير الذي أحدثه الحج في الأمة؟ أكثر أولئك الناس منطلقهم هذا التفسير الفلسفي، والتفسير السياسي، والتفسير النفعي، الذي وجد جذوره وأصوله عند الخميني وأمثاله.

ألا يكفيهم أن الحج إقامة للركن الخامس من أركان الإسلام، ألا يكفيهم أن الحج تجديد لنداء التوحيد: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.

جميع الحقوق محفوظة لدى موقع دراسات تفسير الإسلام ©