تأملات في مقال: تجربتي مع كورونا!


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

كاتب هذا المقال كانت بداياته سلفية على الجادة، ثم تغير في أخرياته فعمل بـ «التنمية البشرية» بدرجة مدرب، وهذا الانتقاد نصيحة وتذكير له لأنه مسلم رضي بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلَّى الله عليه وسلَّم نبيًا ورسولًا، فلو كان ملحدًا ـ معاذ الله ـ مقطوع الصلة بالله لم تكن للنصيحة والتذكير مناسبة، ولكن نسدد ونقارب.

ومن المؤلم أن تؤثر النزعة الإلحادية المادية في المسلمين إلى هذه الدرجة، وبالخصوص عند من يشتغل بهذا العلم الدخيل «التنمية البشرية» سواء علم أو لم يعلم، قصد أو لم يقصد كل بحسبه والله أعلم بالنيات، لنا الظاهر والله يتولى السرائر لا نحكم على أحد بالظن.

وقد أرسل لي بعض الأصدقاء هذا المقال، فوجدته خاليًا من ربط الناس بالله سبحانه وتعالى، مغاليًا بالأسباب المادية، فلم يذكر ـ صاحب المقال ـ ربه سبحانه وتعالى من باب: شكره على الشفاء، أو من باب دعائه في بدايات مرضه، أو ذكره واللجوء إليه أثناء المرض، باعتبار أنه سبحانه صاحب الأمر من قبل ومن بعد: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81)} [الشعراء].

يقول في بدايات المقال:

(الايام الثلاثة الاولى، والاعراض طفيفة استحضرت فيها جميع المفاهيم النفسية التي درستها على مدى سنوات، تمارين جسدية، تمارين تأمل وتنفس طبيعي، محافظة على حالة نفسية جيدة).

استحضر جميع المفاهيم التي درسها خلال سنوات إلا المفاهيم الشرعية! أين الرجوع إلى الله، واللجوء إليه سبحانه: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)} [الأنبياء]، وقال تعالى: {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168)} [الأعراف].

والحسنات هنا هي: النعم من الخصب والرخاء والصحة والعزة، والنصر على الأعداء ونحو ذلك، والسيئات هنا هي: المصائب، كالأمراض وتسليط الأعداء والزلازل، والرياح العاصفة والسيول الجارفة المدمرة ونحو ذلك.

ثم يقول:

(تعاملت مع الامر بإيجابية وتحكم بالاحاسيس ومؤانسة للاهل والاصدقاء بأن الامر بسيط وايام وسانتصر على الفيروس وانني واثق من جسدي وحالتي النفسية...).

تعامل مع المرض بإيجابية وتحكم بالأحاسيس ثم هو سينتصر على المرض كيف؟ لأنه واثق من جسده وحالته النفسية، أين التوكل على الله تعالى وتفويض الأمر له سبحانه: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)} [هود]، أين طلب الشفاء منه والوقوف بين يديه سبحانه والالتجاء والافتقار إليه! أين الاستعانة بالصبر والصَّلاة، قال الله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45)} [البقرة].

عن حُذَيفة قال: كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذا حَزَبَهُ أمْرٌ صَلَّى. أخرجه أبو داود (1319) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وقوله: «حزَبه أمر» أي: نزل به أمرٌ شديد.

يقول ابن القيم رحمه الله: «فالصَّلاة من أكبر العون على تحصيل مصالح الدُّنيا والآخرة، ودفع مفاسد الدُّنيا والآخرة. وهي منهاةٌ عن الإثم، ودافعةٌ لأدواء القلوب، ومَطْرَدةٌ للدَّاء عن الجسد ...». «زاد المعاد» 4/299، ط. دار عالم الفوائد.

هذه الأمور لم يتدرب عليها هو تدرب على الوثوق بالنفس والاعتماد عليها!

بعد الصدمة الأولى التي لم يعرفْ ما سببها! (لسبب غير معلومة!) هكذا، يقول على إثرها:

(واستعدت طاقتي النفسية واستمداد العزيمة والاخذ بالسبب (فيتامينات وعلاج ورياضة وتشمس).).

يعني هو رجع باللائمة على الأسباب المادية فبدأ باستعادة الحالة النفسية والعزيمة والأخذ بالأسباب المادية، أين الأسباب الشرعية: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)} [الأنبياء].

يقول ابن القيم رحمه الله: «جمع في هذا الدعاء بين: حقيقة التوحيد، وإظهار الفقر والفاقة إلى ربه، ووجود طعم المحبة في التملُّق له، والإقرار له بصفة الرحمة، وأنه أرحم الراحمين، والتوسل إليه بصفاته سبحانه، وشدة حاجته هو وفقره. ومتى وجدَ المبتلى هذا كُشِفتْ عنه بلواه». الفوائد 292. ط. عالم الفوائد.

«وفيما حكى الله تعالى من دعاء أيوب عليه السلام: بيانُ أن من أعظم أسباب الفرج دعاءَه عزَّ وجلَّ، والابتهال إليه، والتضرع له، وإظهار الفاقة لديه، وذِكْرهُ بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، والتوسل إليه بذلك». «فقه الأدعية والأذكار» 2/393. ط. كنوز إشبيليا.

ونحن لا ننكر الأخذ بالأسباب المادية على ضوء الضوابط الشرعية، بل ننكر الاعتماد عليها مع عدم الأخذ بالأسباب الشرعية، لكن الإشكال في أصحاب «التنمية البشرية» أنهم يربون الناس تربية مادية! تضعف عندهم الصلة بالله تعالى.

ثم يُرجع السبب في الصدمة الثانية ـ الإغماء ـ إلى حالته النفسية التي تأثرت بسبب كلام أحد الأطباء ولولا ذلك لما حدث ما حدث! يقول:

(ولا اعلم هل كان كلام الدكتور ذا أثر نفسي سلبي على حيث جعلني اترقب ما يحدث في هذا اليوم مما زاد من نسبة التوتر، وكما معروف فإن القلق والتوتر يؤثر على قوة مناعة الجسم!).

أين الإيمان بالقضاء والقدر، عن عبد الله رضي الله عنه قال: خطَّ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم خطًا مُربَّعًا، وخطَّ خطًا في الوسطِ خارجًا منه، وخطَّ خُططًا صغارًا إلى هذا الذي في الوسطِ من جانِبِه الذي في الوسطِ، وقال: «هذا الإنسانُ، وهذا أجلُه مُحِيطٌ به ـ أو: قد أحاطَ به ـ وهذا الذي هو خارجٌ أمَلُه، وهذه الخُطَطُ الصِّغارُ الأعراضُ، فإن أخطأه هذا نَهَشَه هذا، وإن أخطأه هذا نَهَشَه هذا». أخرجه البخاري (6417).

قوله: «الأعراض» أي: الأمور التي تعرض له من البلايا والمصائب. وقوله: «نهشه» أي: أصابه والنهش أخذ الشيء بمقدم الأسنان.

ثم بعد الفحوصات فكر بأخذ (البلازما) لكن ذكر له الأطباء أن حالته غير محتاجة للبلازما وأن هذا الإجراء يحتاج إلى إيعاز من مختص، يقول بعدها:

(جعلني افكر بشكل جدي بعدم حاجتي الى البلازما وان هناك من هو احوج مني اليه، فاتصلت بالاخ وشكرته على مبادرته واخبرته بحاجة آخرين اكثر مني للبلازما المتوفر عنده).

هو لم يعطى البلازما أصلًا حتى نقول: أنه آثر غيره على نفسه! فهو على زعمه: اعتمد على نفسه في دفع المرض وتصدق على الأخرين وآثرهم على نفسه!.

في اليوم الخامس عشر أعلن الفقير إلى الله أنه انتصر على المرض، يقول:

(وفي اليوم الخامس عشر تغيرت الامور وخفت حرارة الجسم وهدأت العاصفة، عندها اعلنت انتصاري على الفيروس).

يقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ (17)} [فاطر].

قول بعضهم (قهرت المرض) أو (انتصرت على المرض) هذه العبارات ـ في الغالب ـ لا يريد من ورائها مطلقها معنى محذورًا، فتجوز وتكون من باب التوسع في العبارة، فلا يظهر في مثل ذلك التوسع حرج إن شاء الله تعالى.

لكن ينبغي أن يعلم أن بعض الملاحدة يستعمل مثل هذه العبارات ويريدون أن الإنسان تحدى القدر وغلبه، وهذا كفر وكذب، فلا أحد يمكنه رد القدر إلا بالقدر نفسه، أي: ببذل الأسباب التي قدر الله أنها تدفع البلاء، كالتداوي والحمية والدعاء، عن ثَوْبانَ قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لا يرُدُّ القدرَ إلَّا الدُّعاءُ». أخرجه ابن ماجه (90)، وأحمد (22386)، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه.

والدعاء من جملة ما قدر الله تعالى، فالقدر يرد بالقدر، والعبد إنما يفر من قدر الله إلى قدر الله، وأما أن يغلب أحد القدر فهذا لا يكون، بل الأمر كما قال تعالى: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)} [يوسف].

ولهذا فالأولى ترك مثل هذه العبارات، ورد الفضل إلى الله تعالى، فإن الفضل كله بيد الله سبحانه يؤتيه من يشاء.

ثم يقول أخيرًا:

(اكتب هذه التجربة لا ابتغي اخافة احد معاذ الله، ولكن اتمنى من الجميع الحذر وأخذ الاسباب: كمامة، عدم لمس الانف، شرب ماء باستمرار، تباعد جسدي عن الناس).

دائمًا الأخذ بالأسباب أي أسباب؟ الأسباب المادية! هكذا يدرب مدربو «التنمية البشرية» الناس على الاعتماد على النفس والبدن في كل الأمور حتى التي لا طاقة للبشر في التخلص منها إلا بمعونة الله سبحانه وتعالى.

قد يقول قائل لماذا هذا التأويل لكلام الرجل؟ هو ما أراد إلا أن يبين حالته وكيف تعامل مع المرض ليستفيد الناس من تجربته؟ لماذا هذا التحامل؟

أقول: هو عنون للمقال بـ «تجربتي مع كورونا» فهو يبين حاله في تلك الأيام وكيف تصرف مع المرض على جميع الأصعدة، وديننا الحنيف قد راعى هذا الجانب ولم يغفله، لذلك كتب العلماء في «الطب النبوي» وأكثرو فيه، ومن أراد النظر إليه من قريب فليرجع لكتاب ابن القيم «زاد المعاد» حيث ذكر في المجلد الرابع (الطب النبوي) قانون الحكمة الإلهيَّة في الداء والدواء فقال رحمه الله: «هاهنا من الأدوية التي تشفي من الأمراض ما لم يهتد إليها عقولُ أكابر الأطبَّاء، ولم تصل إليها علومهم وتجاربهم وأقيستهم، من الأدوية القلبيَّة والرُّوحانيَّة، وقوَّة القلب واعتماده على الله، والتَّوكُّل عليه والالتجاء إليه، والانطراح والانكسار بين يديه، والتَّذلُّل له، والصَّدقة، والصلاة والدُّعاء، والتَّوبة والاستغفار، والإحسان إلى الخلق، وإغاثة الملهوف، والتَّفريج عن المكروب، فإنَّ هذه الأدوية قد جرَّبتها الأمم على اختلاف أديانها ومللها فوجدوا لها من التَّأثير في الشِّفاء ما لا يصل إليه علمُ أعلم الأطبَّاء ولا تجربتُه ولا قياسُه.

وقد جرَّبنا نحن وغيرنا من هذا أمورًا كثيرةً، ورأيناها تفعل ما لا تفعل الأدوية الحسِّيَّة؛ بل تصير الأدوية الحسِّيَّة عندها بمنزلة أدوية الطُّرُقيَّة عند الأطبَّاء. وهذا جارٍ على قانون الحكمة الإلهيَّة، ليس خارجًا عنها. ولكنَّ الأسباب متنوِّعةٌ. فإنَّ القلب متى اتَّصل بربِّ العالمين، وخالق الدَّاء والدَّواء، ومدبِّر الطَّبيعة ومصرِّفها على ما يشاء= كانت له أدويةٌ أخرى غير الأدوية التي يعانيها القلبُ البعيدُ منه، المعرِضُ عنه. وقد عُلِم أنَّ الأرواح متى قويت وقويت النَّفس والطَّبيعة تعاونا على دفع الدَّاء وقهره، فكيف ينكر لمن قويت طبيعته ونفسه، وفرحت بقربها من بارئها، وأنسها به، وحبِّها له، وتنعُّمها بذكره، وانصراف قواها كلِّها إليه، وجمعها عليه، واستعانتها به، وتوكُّلها عليه= أن يكون ذلك لها من أكبر الأدوية، وتُوجِبَ لها هذه القوَّةُ دفعَ الألم بالكلِّيَّة؟ ولا ينكر هذا إلا أجهلُ النَّاس، وأغلظُهم حجابًا، وأكثفُهم نفسًا، وأبعدُهم عن الله وعن حقيقة الإنسانيَّة». «زادُ المعاد في هدي خير العباد» 4/13-14.

وفي كتاب الله وسنة نبيه صلَّى الله عليه وسلَّم ما تقر به عين كل مسلم، من بيان أجر من صبر على مرضه، وأناب إلى الله وطلب منه الشفاء والعافية. نسأل الله العظيم الشفاء لمرضى المسلمين.

وننصح صاحب المقال بالرجوع للكتاب والسنة فإن فيهما شفاء القلوب والأبدان، ونسأل الله أن يعينه على ترك هذا العلم إنه خير مسؤول وأكرم معطي.   

هذا والحمد لله أولًا وآخرًا.

جميع الحقوق محفوظة لدى موقع دراسات تفسير الإسلام ©