بواعث العبادة ... الله غني عن عبادتنا فلماذا نعبده؟


بواعث العبادة

الله غني عن عبادتنا فلماذا نعبده؟

 

الحمد لله رب العالمين، الملك الحقِّ المبين، أنار قلوب أوليائه بنور الهدى واليقين، وقوَّى عزائمهم بالحقِّ المستبين، هدى من شاء برحمته، وأضلَّ من شاء بحكمته، فلله الحجَّة البالغة على خلقه أجمعين، أحمد ربِّي وأشكره، وأُؤمن به ولا أكفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه وأنصاره إلى يوم الدين.

أمَّا بعد:

من الأسئلةِ الشائعةِ سؤالٌ يتكرر كثيرًا: إن الله غني عن العباد، غني عن عبادتنا وأعمالنا، فلماذا نعبده؟

هذا السؤال ليس سؤالًا حديثًا، ولا وليد العصر، بل هو سؤالٌ قديمٌ خاض في الجواب عليه كثير من المتكلمين والفلاسفة، ولكنَّ من أهمِّ أسباب انتشاره في هذا العصر هو النزعة المادية والنظرة النفعية للدين، هو رضى الإنسان بالحياة الدنيا واطمئنانه بها وإليها. يثار هذا السؤال ليقفز المنحرفون في أصول الدِّين، وأنصاف المتعلمين، ودعاة السوء، إلى تقديم الجواب النفعيِّ الماديِّ، فيقولوا للمسلمين ــــ بلسان القال مرةً، وبلسان الحال مراتٍ ــــــ: إن الله غني عن عبادتكم، وإنما العبادة لمنفعتكم ومصلحتكم وفائدتكم، تعبدونه لمصلحتكم الدنيوية، فالصلاة رياضة نفسية وجسدية، والزكاة تكافل اجتماعي، والصيام صحةٌ، والحج مؤتمر سياسي! وهكذا يقطعون الصلة بين العباد وربهم، فلا تكون نية العابد ولا إرادته متوجهة إلا إلى العبادات والأعمال الصالحة نفسها، لمصلحة نفسه، وفائدة نفسه.

إنَّ التفسير النفعي للدين هو الأنانية البراغماتية التي لا تنظر إلا إلى الذات، ولا تنظر إلا لمصلحة الذات، ولا تطلب إلا منفعة الذات!

فلماذا نعبد ربنا، وهو الغني عن عبادتنا؟

قال الله تعالى: {وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل:40]، وقال تعالى: {وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت:6]، وقال عزَّ مِنْ قائلٍ: {وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ} [إبراهيم:8]، وقال سبحانه: {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:97]، وقال عزَّ شأنُه: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا} [النساء:131].

فالله هو الغني عن العباد، لا يحتاج لعبادتهم، ولا يفتقر لطاعتهم، ولكن مع ذلك، ورغم ذلك؛ فالعلل والأسباب الموجِبةُ للعبادة كثيرةٌ جدًّا، وهي التي يطلق عليه العلماء: (بواعث العبادة)، أي: الأسباب التي تبعث العبدَ على القيام بوظيفة العبادة، وهي عبارةٌ عن محرِّكات ودوافع توجه نيةَ العبد وقصده وإرادَته، فلا بدَّ من معرفتها والتفقُّه فيها واستحضارها، وإلا فإن الإنسان سيضيِّع معنى العبادة وغايتها، وستفسُد نيَّتُه، وتفتُر إرادتُه وعزيمته، وتنحرف بوصلةُ قلبه؛ فإِنْ عبد الله عبده لغير الغاية التي هي مراد الله سبحانه، وحينئذٍ لا يستفيد من عمله شيئًا بل يكون باطلًا محبَطًا: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: 15، 16].

الباعث الأول:

أنْ يعلمَ الإنسانُ أن الله تعالى يستحقُّ العبادة لذاته، فهو ربُّ العالمين؛ المتفرِّد بالخلق والملك والتدبير، له الأسماء الحسنى والصفات العليا: {وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: 70]، وكل هذا يوجب أن يعبده الخلق لذاته، هذا حقُّه عليهم، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حقُّ اللهِ على العبادِ أَنْ يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا».

الباعث الثاني:

نفس وجود المخلوق، يوجِب أن يعبد خالقَه! فإنَّه بذاته فقيرٌ محتاج إلى خالقه كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر: 15]، هذا حال الإنسان، هو في حاجة للعبادة، فإن لم يعبد الله الإله الحق الذي خلقه ورزقه وأمدَّه بالنعم؛ فإنه سيعبد الحجَرَ والشجرَ، وإن لم يعبد شيئًا لإلحاده فسيعبد هواه، ويذِلُّ لشهوته، ويعاني من الحيرة والاضطراب والضَّياع، فليس للقلب سكينةٌ، ولا للنفس سعادةٌ، إلا بعبادة الخالق الأعظم، وحده لا شريك له.

ورحم الله شيخَ الإسلام ابنَ تيمية إذ يقول:

والفقر لي وصفُ ذاتٍ لازمٌ أبدًا    كمــــــــا الغنى أبدًا وصفٌ له ذات

وهذه الحال حالُ الخلق أجمعِهم     وكلُّهـم عنده عبدٌ لـــــــــــه آتي

فمن بغَى مطلبًا مـــن غير خالقه       فهو الجهول الظَّلوم المشرك العاتي

الباعث الثالث:

نعبد الله تعالى لأنه سبحانه الربُّ الخالق المالك المتصرف، بيده الأمر، وإليه الحكم، وقد خلقنا لعبادته، وأمرنا بطاعته، فهو المستحقُّ سبحانه لكمال الذل والخضوع والطاعة كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة/ 21-22].

الباعث الرابع:

استحقاقه سبحانه كمالَ الحبِّ وذلك لكمال ذاته، وكمال أسمائه وصفاته وأفعاله، والله سبحانه له الكمالُ المطلق التَّامُّ من كلِّ وجهٍ، الذي لا يعتريه توهُّم نقصٍ أصلاً، ومَن هذا شأنُه فإنَّ القلوبَ لا يكون شيءٌ أحبَّ إليها منه ما دامت فِطَرُها وعقولها سليمةً، وإذا كانت أحب الأشياء إليها فلا محالة أن محبته توجب عبوديته وطاعته، وتتبُّع مرضاته، واستفراغ الجهد في التعبُّد له والإنابة إليه. وهذا الباعثُ أكملُ بواعثِ العبودية وأقواها، حتى لو فرض تجرده عن الأمر والنهي والثواب والعقاب، فلا بدَّ من استفراغ الوُسْعِ، واستخلاص القلبِ للمعبود الحقِّ المستحقِّ لأشدِّ الحبِّ، كما قال ربنا سبحانه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: 165]، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث مَن كنَّ فيه فقد وجد بهنَّ حلاوةَ الإيمان: أن يكون الله ورسولُه أحبَّ إليه مما سواهما، وأنْ يحبَّ المرءَ لا يحبُّه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر ـ بعد إذ أنقذه الله منه ـ كما يكره أن يُلقَى في النار».

الباعث الخامس:

نعبده سبحانه لأنه المنعِم علينا بأجل النعم، والمحسن بنا أعظم إحسان، فقد خلقنا ورزقنا، ومنحنا الحياة والعقل والتمييز والسمع والبصر، هو المستحقُّ سبحانه لغاية التعظيم، فالعقول السَّليمة تشهد بأن غاية التعظيم لا تليقُ إلا بمن صدَر منه غاية الإنعام والإحسان وهو الله وحده: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53]، {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: 18]، التذكير بنعم الله من البراهين القرآنية على وجوب العبادة كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3]، أي: كيف تُصرفون عن الحقِّ بعد هذا البيان الموجب لشكر نِعَم الله تعالى عليكم.

الباعث السادس:

القيام بواجب الشكر على نعمه المترادفة، فإن الإنسان الذي لا يقابل تلك النعم بالشكر إنما هو جاحدٌ للإحسان، كما قال تعالى: {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34]، لهذا أمرنا الله تعالى بشكره: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة: 172]، {فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [النحل: 114]، {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152]، ووعدنا الله تعالى بالمزيد من نعمه إن نحن قابلناها بالشكر: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7].

فالشكر من أعظم بواعث العبادة، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قام حتى تورَّمت قدماه، فقيل له: تفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «أفلا أكون عبدًا شكورا؟». وقال صلى الله عليه وسلم لمعاذ: «والله يا معاذُ، إنِّي لأحبك، فلا تنسَ أن تقول في دبرِ كلِّ صلاةٍ: اللهم أعِنِّي على ذِكْركَ، وشكرك، وحُسْن عبادتك».

الباعث السابع والباعث الثامن:

وهما الخوف والرجاء، الخوف من عقاب الله وعذابه، والرجاء في ثوابه وحسن جزائه، وهذا من صفات أنبياء الله وعباده الصالحين كما أخبر الله تعالى عنهم: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90]، وقال سبحانه: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة: 16]، وبهذا أمر الله تعالى جميع عباده فقال عز من قائل: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 55-56].

الباعث التاسع والباعث العاشر:

عبادة الله عز وجل لدخول الجنَّة، والنجاة من النار، وهذا أخصُّ مما سبق، لأن المسلم يخاف الله ويرجوه في أحواله وأموره كلِّها، فيما يتعلق بدنياه وما يتعلق بآخرته، ثم من ذلك أنه يطلب الجنة ويستعيذ من النار على وجه الخصوص، كما قال الله سبحانه عن امرأة فرعون: {إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ} [التحريم: 11]، وامتدح الله الذين يقولون: {رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 16]، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل الله الجنة ويتعوذ من النار في صلاته ودعائه، وأرشدنا إلى ذلك في أحاديث كثيرة، وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم فتًى أنصاريًّا: «ماذا تقول في صلاتك يا ابن أخي؟»، فقال الفتى: أمَّا أنا فأسأل الله الجنة وأعوذ به من النار، ولا أفهم دندنتك ودندنة معاذ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «حولها ندندن».

ولنختم هذه البواعث بباعث يغْفُلُ عنه كثيرٌ من الناس وهو:

الباعث الحادي عشر:

أن الله سبحانه وتعالى يحبُّ أن يُعبَدَ، ويحبُّ أن يُسألَ، ويُحبُّ أن يُتقرَّب إليه، الله غنيٌّ عن عبادِه، لا يحتاج إلى عبادتهم وأعمالهم، لكنَّه يرضاها منهم ويُحبُّها ويُثيبهم عليها: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر: 7]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائد: 54]، {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18]، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم: أن الله عز وجل يفرح بتوبة عبده، فهو سبحانه يحب المؤمنين ويفرح بتوبة التائبين؛ ويرضى عنهم برحمته، فهذا من أعظم بواعث العبادة: أن يطلب الإنسان محبة الله ورضاه وقربه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أحبَّ الله عبدًا نادَى جبريلَ: إنِّي قد أحببت فلانًا فأحبَّه، فينادي في السماء ثم تَنْزِلُ له المحبةُ في الأرض فذلك قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً} [مريم: 96]».

فهذه هي بواعث العبادة وأسبابها وعللها، فالعبادة حقُّ ذاتيٌّ لله عزَّ وجل، ولأن المخلوق مفتقِرٌ مضطر إليها، نعبد الله حبًّا، نعبد الله خوفًّا، نعبد الله رجاءً، نعبده شكرًا على نعمه وآلائه، نعبده طاعةً لأمره، ونعبده طلبًا للجنة، نعبده استعاذةً من النار، وهكذا فبواعث العبادة كثيرة، وكثيرة جدًّا، ولكن ذكرنا أهم البواعث.

اللهم اجعلنا من أهل وُدِّك ومحبتك ورضاك، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ من سخطك والنار، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وكفر عنَّا سيئاتنا، اللهم وأصلح فساد قلوبنا، اللهم وأذهب سخم قلوبنا، اللهم اجعلنا هداةً مهتدين غير ضالِّين ولا مضلِّين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولمن علمنا وأدَّبنا بمنِّك وكرمك وعطائك، لا إله إلا أنت، آمين آمين، والحمد لله رب العالمين.

 

الشيخ عبد الحق التركماني

أصل المقال (خطبة جمعة) في 19 ربيع ثاني 1437 هـ الموافق 29 يناير 2016 م

https://www.youtube.com/watch?v=e5BSVQoTtcA

 

جميع الحقوق محفوظة لدى موقع دراسات تفسير الإسلام ©