تفسير الإسلام بأصوله وأركانه


التفسير الأمثل للإسلام هو تفسيره بنفسه، أي بأصول الإيمان وأركان الإسلام، لأنها لبُّ الإسلام وجوهره، وحقيقة الدين ومقصده، وعليها مداره، وبها وجوده وقيامه. هذا منهج القرآن والسنة، وعليه درج علماء الشريعة، ولا أحسنَ من تفسير الشيء بما هو عليه في نفس الأمر، من غير تكلُّف ولا تأويل ولا تحريف. لهذا وجدنا بعض العلماء يصفون حديث جبريل عليه السلام في بيان الإسلام والإيمان والإحسان؛ بأنه: «تفسير الإسلام»، منهم: أبو منصور الماتريديُّ (ت: 333)([1])، وابن أبي العزِّ الحنفيُّ (ت: 792)([2])، وابن الوزير اليمانيُّ (ت: 840)([3])، وغيرهم.

وأفرد الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب (ت: 1206) رحمه الله في كتابه: «فضل الإسلام»([4]) فصلًا سماه: «باب: تفسير الإسلام»، وذكر: قول الله تعالى: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20)} [آل عمران]. وذكر - أيضًا - تعريف الإسلام في حديث سؤال جبريل عليه الإسلام حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإسلامُ أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسولُ الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إنْ استطعت إليه سبيلًا»([5]). وحديث: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»([6])، وحديث: «الإسلامُ: أن يُسلِم قلبُك لله، وأن تولِّي وجهَك إلى الله، وأن تصلي الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة»([7]). فعُلم من صنيع ابن عبد الوهَّاب تفسير الإسلام بأصوله وأركانه وأحكامه.

ومن نظر في دعوة الأئمة المجدِّدين، والعلماء العاملين، والدعاة المصلحين، ودرس أعمالهم، وتأمل آثارهم - منذ القرون الأولى حتى يوم الناس هذا - وجد أنَّهم سلكوا هذه الطريقة في بيان حقائق الدين، وغرس معانيه في النفوس، وتربية الأجيال على التمسك به، والعمل بأحكامه، فاستغنوا بذلك عن الخوض في المباحث الفلسفية، والمتاهات الفكرية، فقد ربطوا الناس بأصل الدين، وهو القيام بحقِّ الله تعالى في إخلاص العبادة له سبحانه، ومجانبة الشرك، وأداء الفرائض، واجتناب المحرمات، والمسارعة إلى الخيرات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتنفيذ جميع الأحكام التي شرعها لعباده على مستوى الأفراد والمجتمعات والحكومات؛ كلٌّ حسب علمه واستطاعته، وقدره وولايته.

إن في هذا المنهج الشرعي امتثالًا لأمر الله عزَّ وجلَّ، وتمسكًا بمنهاج الرسل عليهم الصلاة والسلام، واستقامةً على الصراط المستقيم بتوسُّط واعتدال، من غير إفراط ولا تفريط، {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [هود: 112].               

الهوامش:

([1]) في كتابه «التوحيد»، تحقيق: فتح الله خليف، دار الجامعات المصرية، الإسكندرية، ص: 399.

([2]) في «شرح العقيدة الطحاوية»، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت: 1417، 2/513.

([3]) في «العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم»، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت: 1415، 5/254، 9/153، 205.

([4]) مطبوع ضمن «مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب»، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، وطبع مفردًا مرارًا.

([5]) أخرجه مسلم (8) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

([6]) أخرجه مسلم (41) من حديث جابر رضي الله عنه.

([7]) أخرجه أحمد 4/446 (20022)، وإسناده حسن.

جميع الحقوق محفوظة لدى موقع دراسات تفسير الإسلام ©
تنفيذ مؤسسة المفهرس لتقنية المعلومات