هذا موضع ينبغي أن لا يقع الاختلاف فيه، فإن الكلام في مسائل الديانة لا بدَّ أن يستند إلى أدلة شرعية، وإلا كان لغوًا من الحديث، وباطلًا من القول، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59]، «فدِينُ المسلمين مبنيٌّ على اتِّباع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما اتَّفقتْ عليه الأمةُ، فهذه الثلاثة هي أصول معصومة»([1]).
لهذا قال أبو حامد الغزَّالي (ت: 505): «مقاصد الشرع تعرف بالكتاب والسنة والإجماع، فكلُّ مصلحة لا ترجع إلى حفظ مقصودٍ فُهِمَ من الكتاب والسنة والإجماع، وكانت من المصالح الغريبة التي لا تلائم تصرفات الشرع فهي باطلة مطرحة، ومن صار إليها فقد شَرَعَ، كما أن من استحسن فقد شرع، وكل مصلحة رجعت إلى حفظ مقصود شرعيٍّ علم كونه مقصودًا بالكتاب والسنة والإجماع فليس خارجًا من هذه الأصول»([2]). وقال العزُّ ابن عبد السلام (ت: 660): «مصالح الدارين وأسبابها ومفاسدها لا تُعرف إلا بالشَّرع، فإن خفي منها شيء طُلب من أدلة الشرع، وهي: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس المعتبر، والاستدلال الصحيح»([3]).
ثم إن الاستدلال بنصوص الكتاب وصحيح السنة لا بدَّ أن يكون جاريًّا على طريقة أهل العلم في فهمها، آخذًا بمسالكهم في استخلاص عللها ومقاصدها، مراعيًا لمواضع الإجماع، مجانبًا لتتبع الشذوذات والرخص في مواضع الخلاف، سليمًا من مسالك الباطنية والزنادقة في تحريف النصوص، والتلاعب باللغة، والتأويل المتكلَّف. وكثير ممَّن يخوضون اليوم في «تفسير الإسلام» واقعون في مخالفات منهجية في الاستدلال بالنصوص واستنباط المعاني منها، ولهم في ذلك مسالك محدَثة تحتاج إلى دراسة ونقد، وستأتي في مقالات أخرى نماذج منها إن شاء الله.
الهوامش
([1]) «مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية» 20/164.
([2]) «المستصفى»، دار الكتب العلمية، بيروت: 1413، 179.
([3]) «قواعد الأحكام في مصالح الأنام»، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة: 1414، 1/10.