نص المنشور:
(الصيام... ظاهرة فسيولوجية عند كائنات حية أخرى... غير الإنسان توصل العلماء إلى وجود ظاهرة الصيام عند العديد من الكائنات الحية من طيور وأسماك وديدان، إذ وجد أنها تمارس الصيام في أوقات محددة من حياتها، ولأوقات معينة... وذلك كله إراديا إذ أن الطعام يكون متوفرة لديها. مثلا على ذلك ما نشره الدكتور عبد الحكيم عبد اللطيف السعدي المدرس في كلية الزراعة في جامعة الأزهر طائر البطريق (Penguin):
فقد لوحظ أن ذكر البطريق يقوم بعملية الحضانة (Prosohing Renul) لفترة أسبوعين وهو صائم وما أن تبدأ المواليد بالتفقيس من بيتها الأول ينطلق ذكر البطريق الأب إلى الماء مسرعا ليتناول من طيبات الله تعالى ما يسد حاجته ومن ثم تتولى الأم مهمة إطعام المواليد الجدد.
إن هذه الظاهرة كثيرا ما تشبه الصيام عند المسلمين إذ أن الصائمون يبدأون مباشرة بتناول طعام فطورهم بعد صيام يومهم لحظة سماع أذان المغرب (حلول الغروب). وهي احدى الفرحتين التي يوعد الصائمون بها لقوله: «للصائم فرحتان، فرحة عند إفطاره، وفرحة عند لقاء ربه»).
التعليق:
1- عندما يبني المرء تصوره عن الحياة والخلق والغاية من التشريع والعبادة على معتقدٍ باطلٍ خاطئ بعيدًا عن المنهج الرباني الشرعي الصحيح ـ الذي يجعل من تعظيم الله وتبجيله والتذلل بين يديه هو غاية الغايات، وكل ما عدا ذلك من الفوائد والمنافع إنما هي وسيلة لتحقيق تلك الغاية وهذا المطلب ـ فإن تفسيره لشعائر الدين ـ بطبيعة الحال ـ سيكون بعيدًا كل البعد عن الغاية التي شرعها ربُّ العالمين، وينتج عن ذلك أشياء غريبة جدًا لا يمكن أن تُفَّسر إلا بأنها نتيجة للإيغالِ فيما لم نؤمر به، بل ليست من مقاصد التكليف أصلًا، أعني بذلك المقاصد النفعية المادية للعبادات، وبعبارة أخرى (التفسير النفعي للإسلام).
2- لا ينقضي عجب المسلم الموحد من أصحاب التفسير النفعي للإسلام، فبعد أن كادوا يستنفدون كل ما لديهم من قوة وطاقة في جعل ـ بل وحصرـ منافع العبادات في تحصيل صحةٍ جسديةٍ وحياةٍ دنيويةٍ رغيدةٍ، وتنظيم اجتماعي وعمراني، اتجهوا بعد ذلك للبحث عن منافع للعبادات ـ ومنها الصيام ـ عند الحيوانات!!، ولا يكتفي الباحث بتثبيت اكتشافه كحقيقة علمية ـ إن صحت ـ كأي اكتشاف آخر في هذا الكون، بل يُشبِّه صيام البطاريق بصيام المسلمين زاعمًا أن البطاريق بعد الصيام تهرع للطعام كما يفرح الصائم عند فطره!!.
3- إنَّ هذا التشبيه من العجائب ـ والله ـ، فهل كون البطريق يمتنع عن الطعام في فترة ما ثم يهرعُ إلى الأكل، كافٍ في تشبيه صيامه بصيام المسلمين؟!، فكل من يمتنع عن الأكل والشرب فترة طويلة فستكون النتيجة الطبيعة أنه ينطلق إلى الطعام والشراب ليسد حاجته، فما هو الداعي لتخصيص هذا التشبيه بالصيام في الاسلام ؟!، والجواب: كما قلنا سابقًا: الشغف في حصر منافع العبادات في الدنيا ولو بتشبيه صيامنا بصيام الحيوانات، وإلى الله المشتكى.
4- تحريف وتوجيه الأحاديث النبوية في ما يخدم مصالح التفسير النفعي للدين، من أبرز سمات أصحاب هذا المنهج، فانظر كيف تم توجيه حديث فرح المسلم عن فطره بما يخدم فكرة التفسير النفعي، فشبه هرع البطريق الى الطعام والشرب بفرح المسلم عند فطره، وذلك: أن أصحاب هذا الفكر المنحرف لا يتبادر لذهنهم إلا الشهوات المادية دون المعاني الإيمانية، بينما من كان على منهجٍ سليمٍ في غايات الدين والشريعة، فأول ما يتبادر لذهنه معاني التعظيم والتبجيل للملك العزيز العليم بتأدية العبادة على الوجه السليم، فاسمع لقول النووي رحمه الله وهو يفسر لك حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه)، قال: «قال العلماء أما فرحته عند لقاء ربه فبما يراه من جزائه وتذكر نعمة الله تعالى عليه بتوفيقه لذلك، وأما عند فطره فسببها تمام عبادته وسلامتها من المفسدات وما يرجوه من ثوابها». شرح النووي على مسلم (8/ 31).
للمزيد راجع: