أما بعد: فقد «انطلقت مقولة: (الإنسان خليفة عن
الله في أرضه)، دون تبصُّر بمعناها، ولا تفكُّر في دلالاتها، ثم راجت رواجًا واسعًا،
حتى غدَت من المسلَّمات لدى الكثيرين من أهل الفكر، وصارت على ألسنة كثيرٍ من
المتحدثين بمثابة القضايا الأولية من قضايا الفكر الديني.
ونجدها فيما كتب الشيخ السيد رشيد رضا([1])، والأستاذ
المودودي([2])، وسيد قطب([3])، وآخرين
كثيرين، حتى أخذت ألسنة بعض العلماء المنهجيين تطلقها اتباعًا وتقليدًا، دون بحثٍ
عن جذور فكرتها، ودون بحثٍ عن مصدرها وأسانيدها النصية أو العقلية المنطقية، وتلقَّفها
بعض الاقتصاديين فاعتبروها من القضايا الأساسية التي يبنون عليها كثيرًا من بحوثهم
في الاقتصاد.
إنها مقولة برَّاقة في ظاهرها، تُعجب
غُرور الإنسان، ولكنها باطلة في حقيقتها، وهي تتعارض مع أسس مفاهيم العقيدة
الإسلامية»([4]).
ولهذا فما كان من المحققين من أهل العلم إلا الوقف
والتصدي لهذه العبارة المستهجنة([5]) فجاء هذا الفصل
النفيس الذي نفرده بالنشر والتقديم من كلام شيخ الإسلام أبي العباس أحمد بن عبد
السلام بن تيميَّة النميري الحراني (ت: 728) رحمه الله تعالى في الردِّ على من
يزعم أنَّ (الإنسان خليفة عن الله تعالى) حيث أطلقه غلاة الصوفية بناء على عقيدتهم
الباطلة في الحلول والاتحاد([6]).
([1]) انظر: تفسير
المنار 1/216 ـ 217، لمحمد رشيد (ت: 1354)، نشر الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة
1990م.
([3]) في الأصل (الشهيد
سيد قطب) وحذفت كلمة الشهيد، لأنه لا يصح إطلاق لفظ الشهيد هكذا مطلقًا إلا بنص من
كتاب أوسنة، فقد بوَّب البخاري في صحيحه في كتاب الجهاد والسِّيَر (77) باب: لا يقول: فلان شهيد، قال أبو هريرة، عن النبي صلى
الله عليه وسلم: «الله أعلم بمن يجاهد في سبيله»، «الله أعلم بمن يُكلَم في
سبيله». وانظر كلام سيد قطب في «الظلال» 1/ 57 ـ 58.
([4]) قاله الشيخ عبد
الرحمن حسن حبنَّكة الميداني (ت: 1425) رحمه الله في مقدمة رسالته «لا يصح أن
يقال الإنسان خليفة لله في أرضه فهي مقولة باطلة» نشرت عام 1411/1991.
([6]) قال الشيخ محمود
مهدي الإستانبولي (ت: 1420) رحمه الله: «ولا شكَّ أنَّ فكرة خلافة الإنسان لله
في الأرض مأخوذةٌ عن نظرية الحلول والاتحاد ونظرية القطب الغوث لغلاة الصوفية. فقد
قال أبو الحسن الشاذلي: «للقطب خمسَ عشْرَة علامة، عدَّد منها أن يُمَدَّ بمدد
العصمة، والخلافة ـ وهو أن يكون خليفة الله في الأرض ـ والنيابة ـ وهي أن يكون
نائبًا عن الحق في تصريف الأحكام». إلى غير ذلك من صفات الألوهية، تعالى الله عما
يقولون علوًّا كبيرًا!» انظر مقال الشيخ في مجلة الوعي الإسلامي الكويتية،
العدد (۲۳) ذو
القعدة (١٣٨٦) - فبراير (١٩٦٧م). وما نقله عن الشاذلي، انظر: «معراج التشوف إلى حقائق
التصوف» ص ٤٩-٥١ باختصار نقلًا عن كتاب «التصوف بين الحق والخلق» للأستاذ محمد فهر
الشفقه (ص ۱۰۰).