مغالطات الدكتور مبروك عطية في هدف الدين والغاية من العبادات



قال الدكتور مبروك عطية ـ في الحكم على الشخص بالتدين ـ: «أقدر أحكم عليه من سلوكه، الدين جاء لتغيير السلوك، يعني حتى العبادات ما فرضها ربنا علينا إلا لتهذيب سلوكنا، ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ ‌تَنْهَى ‌عَنِ ‌الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت: 45]، ﴿‌كُتِبَ ‌عَلَيْكُمُ ‌الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣)﴾ [البقرة]»، إلى أن قال: «الخطاب الديني يحتاج إلى أن تبين للناس أن الدين يساوي منهج حياة».

في هذا المقطع مخالفات أهمها: الادعاء بأنَّ الدِّين جاء لتهذيب السلوك، والعبادات لم تفرض إلا لتهذيب سلوك الناس، والقول بأن الدين يساوي منهج حياة.

التعليق:

1- أما أن الدين جاء لتهذيب السلوك فإن كان المقصود هو تهذيب السلوك مع الله ابتداءً في إفراده تعالى بالتوحيد والعبادة والتبرؤ من الشرك وأهله، وأن يكون المسلم كما قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ ‌صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّه رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٦٢)﴾ [الأنعام] فهذا صحيح، وأما إن كان المراد ـ وهو الظاهر من الحوار ـ أنَّ هدف الدين ابتداءً تهذيب السلوك بين الأفراد فهذا لا يصحُّ، لأنه ـ رغم أهميته البالغة ـ هدفٌ ثانوي يأتي بالتبَع، وليس هو الأصل من بعثة الرسل وإنزال الكتب، فقد قال تعالى ـ مبيِّنًا بالحصر الهدف الأصلي من الدين ـ: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ ‌مُخْلِصِينَ ‌لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (٥)﴾ [البينة].

2- تهذيب السلوك ليس هو الهدف من العبادات كما يدعي الدكتور بل هو من لوازمها وثمراتها، فالصلاة كما ذكر تعالى تنهى عن الفحشاء والمنكر، لكنَّ الله بيَّن بعد ذلك مباشرة أنَّ ذكره تعالى فيها هو المقصود الأعظم فقال: ﴿‌وَلَذِكْرُ ‌اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)﴾ [العنكبوت].

3- قوله: «أن الدين يساوي منهج حياة»، أقول: لا يصح هذا الاطلاق بهذا المعنى الذي أراده الدكتور في سياق كلامه، فليس هو الذي بُعث به النبي صلى الله عليه وسلم، فالدِّين الذي أحبه الله واختاره وجعل من ابتغى غيره من الخاسرين هو الإسلام ويساوي:

(الشهادتان والأركان الأربعة ويدخل فيه الإيمان بأركانه المعروفة)

فهذا هو أصل الدين الذي فرضه الله على عباده، وما عدى ذلك من الأخلاق والسلوك وغيرها فهو من لوازم الدين ومكملاته سواء كان واجبًا أو مندوبًا، فلا يصحُّ أن يطلق القول بأن الدين منهج حياة، فهذا لا يُميِّز الدِّين عن غيره من المناهج والنظريات التي يدَّعي أصحابها أنها هي المنهج الصحيح للحياة، وقد تكون مناهضة للدين أصلًا كالاشتراكية والليبرالية والعلمانية مثلًا، وأقل ما يقال في ذلك أن هذا التساوي المدعى جعل الدين كغيره من الأفكار البشرية هدفه تنظيم هذه الحياة والعمل على سعادة البشرية، وهذا إن صح هدفًا يزعمه أصحاب تلك النظريات والأفكار، فليس هو هدف الدين بلا شك، وإنما هدفه أن يكون المسلم عاملًا على تعظيم الله وكسب رضاه بغية الفوز بالجنة والنجاة من النار في الآخرة، فيصح بهذا المعنى القول بأن الدين منهج حياة؛ لأن المسلم الحقَّ يتعبد لله تعالى بطاعته أمره، واتباع شريعته، والأخذ بالسنن والآداب والأخلاق التي بعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثمرة هذا كله أن يمارس دينه في قوله وعمله وسلوكه، فيصبح الدين منهج حياة، وسبيل رشد وهداية، وطريق استقامة وسعادة.

فالصحيح أن يقال: أن من لوازم الدين وواجباته وثمراته أن يكون المسلم على خُلقٍ عالٍ وسلوكٍ متَّزن، ففرقٌ بين أن نجعل السلوك العام والمعاملة مع الناس هو هدف الدِّين بحيث أن من يُخلّ بذلك فكأنه لا دين له، بينما من حَسُنت معاملته مع الناس فهو صاحب الدين؛ فلا ينظر إلى عقيدته وعبادته، بل يصل الغلو في هذا المقام عند بعضهم إلى تزكية بعض المشركين والملاحدة، وادعاء أنهم أولى بالجنة لحسن أخلاقهم ومنفعتهم للخلق. وهذا ابن جدعان كان من أفضل الناس خُلقًا في الجاهلية، ومع ذلك كان مصيره النار، قالت عائشة رضي الله عنها: «يا رسول الله، ابن ‌جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المسكين، فهل ذاك نافعه؟ قال: «لا ينفعه، إنه لم يقل يومًا: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين». أخرجه مسلم (214).

4- بعض الدعاة عندما يحاور العلمانيين والليبراليين يعتقد أنه إذا أظهر شيئًا من المرونة والتنازل وعدم إظهار الحقائق فإن ذلك أدعى للقبول في بيان ما يحمله الإسلام من قيم أخلاقية وسلوكية، ولكنه لا يدري أن مشكلة هؤلاء القوم ليس مع السلوكيات المخالفة للدين بل مشكلتهم مع الدين نفسه، فحتى لو قدَّم ما قدَّم من تنازل فحالهم كما قال تعالى عن اليهود والنصارى: ﴿‌وَلَنْ ‌تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (١٢٠)﴾ [البقرة]، والله أعلم.

وللمزيد راجع:

- هل شرعت العبادات صيانة للنفوس عن العدوان والبغي والظلم

- هل سمعت بصيام البطريق؟

- السجود والتفكير الجيد

- ترغيب الناس بالسجود بتعظيم فوائده الدنيوية

- العبادة والصحة الجسدية

- هل جاء الدين لتنظيم الحياة وعمارة الأرض

- هل شرعت العبادات صيانة للنفوس عن العدوان والبغي والظلم

- هل هدف الرسالة هو إصلاح الأخلاق؟

 

 

جميع الحقوق محفوظة لدى موقع دراسات تفسير الإسلام ©