أطفالنا وخطر التفسير السياسي والنفعي للإسلام



نص المنشور:

غرّد د. محمد عياش الكبيسي شاكرًا وممتنًّا للدكتورة رنا الشامي على عنايتها بالأطفال من خلال ما كتَبَتْه في كتابها «عبد الله وعبد الرحمن وقبسات من مجالس النور»، وجاء في هذا الكتاب ـ بحسب ما نشر الكبيسي صورًا منه ـ:

«عرفتُ أنَّ الله خلق الإنسان واستخلفه على هذه الأرض لغاية عظيمة وحكمة جليلة أكبر من تصوُّرات الغافلين واهتماماتهم المنحصرة في اللعب واللهو والتمتُّع الطائش، فالاستخلاف إنَّما هو تكليف لآدم وذريَّته بإدارة الأرض وإعمارها وفق المنهج الذي يرضاه الخالق الكريم سبحانه فهو مالك الملك».

التعليق:

1- دَأَبَ مركز دراسات تفسير الإسلام على الرصد والتحذير من هذه الدعوة المنحرفة؛ دعوة التفسير السياسي للدين، هذه الدعوة التي حرَّفت مفاهيم وعقول كثيرٍ من الغيورين على دينهم ودعوتهم، فبدل أن تكون هذه الغيرة غيرة شرعيَّة غايتها رضا الله والفوز بجنَّته وتحقيق العبوديَّة في الأرض ومحْوِ كلِّ مظاهر الشرك والوثنيَّة؛ إذ بها تجعل دعوتهم سياسيَّة نفعيَّة وتجعل ما كان غاية في ذاته من العبوديَّة ما هو إلَّا وسيلة لا أكثر، وقد كتبنا في هذا الأمر كثيرًا، سنحيل إلى بعضها في آخر التعليق لمن شاء الاطلاع.

2- إنَّ هذا المنشور ـ أعلاه ـ ما هو إلَّا دليلٌ صارخٌ على تغلغل هذه الدعوة بين فئات الناس على اختلاف أجناسهم وطبقاتهم وأعمارهم، فبينما يَظنُّ البعض أنَّها مُقتصرةٌ على فئةٍ ما من المثقَّفين إذا بها تكتب حتَّى للأطفال وينشَّؤون عليها، فيتم غرس فكرة القيادة والإدارة والخلافة بالمعنى المنحرف في عقولهم منذ نعومة أظفارهم، فكيف سيفهم هذا النشء بعد ذلك أنَّ رضى الله وتحقيق التعبد له والتذلل والتعظيم هو الغاية التي يجب أن يعيش لأجلها، سواء تمكن من إدارة الأرض وعمارتها أو لم يتمكن؟! كيف سيفهم هذا النشء أنَّ إدارة الأرض والحكم والملك إنَّما هي ثمرة من ثمرات تحقيق الغاية يَهَبُها الله لمن يشاء بحكمته ورحمته، وليست هدفًا يُسعى إليه بله أن يقال هو الغاية العظيمة والحكمة الجليلة؟!

3- إنَّ تنشِئة الأطفال وتربيتهم على هذه المفاهيم من عوامل التطرُّف والعنف، فعندما يقال له: إنَّ هدفك في الحياة أن تصبح قائدًا وسيِّدًا تدير الأرض وتتولَّى السلطة لتحكم وفق منهج الله الذي يرضاه ـ زعموا ـ، ماذا ستكون النتيجة؟! ستكون: أنَّ كلَّ ما أمر الله به ـ من التوحيد والعبادات والشعائر الدينيَّة التي بعث الرسل بالدعوة إليها بتكريس كل الجهود لتحقيقها ـ تُؤخَّر بل وتُهمل ولا يُلتفت إليها لحين تحقُّق تلك الغاية!

فكم من دماءٍ أُسيلت وأعراضٍ انتُهكت وبلادٍ دُمِّرت لتحقيق غاية التغلُّب على إدارة الأرض وإعمارها؟! وما كانت داعش والقاعدة إلَّا مثالًا حيًّا لهذه التربية المِعوَّجة، ثم يقال: مهمة الإنسان التي خلق لأجلها إدارة الأرض وإعمارها على وفق المنهج الذي يرضاه الخالق؛ {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} [الكهف: 5].

4- إنَّ سيرة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وسيرة أصحابه ليس فيها من هذه التربية شيء، بل إنَّ وقفة تأملٍ في نصيحة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لابن عباس رضي الله عنهما ـ وهو إذ ذاك صغيرٌ لم يبلغ بعدُ ـ كافية في اكتشاف حقيقة هذا التفسير المنحرف للدِّين، فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده (2803) وغيره، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: كنت رديف رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: «يا غلام، أو يا غُليم، ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهنَّ؟» فقلت: بلى. فقال: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إليه في الرخاء، يعرفك في الشدَّة، وإذا سألت، فاسأل الله، وإذا استعنت، فاستعن بالله، قد جفَّ القلم بما هو كائن، فلو أنَّ الخلق كلَّهم جميعًا أرادوا أن ينفعوك بشيءٍ لم يكتبه الله عليك، لم يقدروا عليه، وإن أرادوا أن يضرُّوك بشيءٍ لم يكتبه الله عليك، لم يقدروا عليه، واعلم أنَّ في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا، وأنَّ النصر مع الصبر، وأنَّ الفرج مع الكرب، وأنَّ مع العسر يسرا».

قلت: لو تأمَّل متأمِّلٌ في هذه النصائح النبويَّة الرشيدة وما حوته من أصول الدِّين وقواعد الملَّة وكيف شدَّ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم انتباه ابن عباس لِيَعِيَها ويحفظها وبين ما سطَّرته صاحبة: «عبد الله وعبد الرحمن وقبسات من مجالس النور»، لَعَلِم بالفارق الكبير بين التربيَّة على التفسير الصحيح للدين وبين التفسير السياسي والنفعي المنحرف للدين.

5- لا سبيل إلى المحافظة على الأجيال القادمة من شر هذا التفسير المنحرف وما يحمله من بلايا ورزايا ـ عانت وما تزال منها الأمة ـ إلَّا بمكافحته بشدَّة وقوَّة والوقوف بالمرصاد لكلِّ محاولة أو حركة تهدُف إلى تشويه هذا الدِّين وتحريف أصوله التي بُنيَ عليها ـ بقصدٍ أو بغير قصد ـ وتكريس الجهود في توضيح العقيدة الصحيحة، وترسيخ مفهوم التعبُّد والعبودية وأنَّه هو الذي خُلقنا لأجله كما نصَّ عليه قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} [الذاريات]، وهذا ما يقوم به مركز دراسات تفسير الإسلام، ويأملُ أن يلقى تعاونًا من جميع المعنيِّين، فالأمر خطير والخطب جلل، والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله.

راجع للمزيد:

- (المراد الأهم من العبادات بين الطاعة وجمع الحسنات).

- (عمرو خالد وحكمة الخلق).

- (داعش صنيعة التفسير السياسي للإسلام).

- (الاستخلاف هو عمارة الأرض).

- (الجهود العلمية في نقض التفسير السياسي للإسلام).

- (بل التفسير السياسي قنطرة العلمانية).

- (داعش صنيعة التفسير السياسي).

- (هل جاء الدين لتنظيم الحياة وعمارة الأرض).

جميع الحقوق محفوظة لدى موقع دراسات تفسير الإسلام ©