الاستغفار ومصالح الدنيا معادلة رياضية



نص المنشور:

في هذا المقطع ترغيب في الاستغفار لجلب الرزق ودفع الفقر وجعله كمعادلة رياضية لتحقيق أغراض دنيوية.

التعليق:

1- في هذا المقطع توسع غير مرضي في استعمال الاستغفار بشكل تعويض دنيوي ومعادلة رياضية وحسب، مع أنه من جملة الأذكار والعبادات التي ينبغي على المسلم استحضار معنى العبودية فيها ـ من تعظيم الله والتذلل بين يديه وما أعده للمؤمنين في الآخرة ـ في المقام الأول، ثم ما يحصل من ثمارها إنما هو تَبَعٌ وفي المقام الثاني وليس هو الأصل في فعلها.

2- كثير من الناس يفهم من قوله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)}[نوح]، أنها حجة في جعل الاستغفار ابتداءً وعمومًا في جلب مصالح الدنيا دون الالتفات لمصالح الآخرة أو تقديم مصالح الدنيا في القصد الأول منه، وفي هذا الفهم قصور، ذلك أن الآيات وردت في حق أناس كفَّار قد تشرَّبت قلوبها حبّ الدنيا، فكان ترغيبهم بذكر المنافع الدنيوية العاجلة هو الطريق الذي يرغبهم في الدين كحال المؤلفة قلوبهم في إعطائهم من الزكاة المفروضة، وفي هذا قال قتادة رحمه الله في قوله تعالى: {ويمددكم بأموال وبنين}: قال: «رأى نوح قومًا تجزعت أعناقهم حرصًا على الدنيا، فقال: هلموا إلى طاعة الله، فإن فيها درك الدنيا والآخرة» [تفسير الطبري]، وقال العز بن عبد السلام رحمه الله في قوله:{مِّدْرَارًا} قال: «غيثًا متتابعًا قيل: أجدبوا أربعين سنة فأذهب الجدب أموالهم وانقطع الولد عن نسائهم، فلما علم حرصهم على الدنيا قال: هلموا إلى طاعة الله تعالى فإن فيها درك الدنيا والآخرة ترغيبًا لهم في الإيمان»، [تفسير العز بن عبد السلام (3/ 367)]. وأما المسلم الموحد فلا ينبغي أن يربَّى على هذا الأمر، ويجعل كحال المؤلفة قلوبهم دائمًا دون تذكيره بحقيقة العبادة والمقصود منها.

3- الاستغفار لدفع همٍّ أو مصيبة نزلت أو جلب مصلحة عاجلة  كالاستغفار في صلاة الاستسقاء مثلًا، كلُّ هذه الأمور من الأسباب العارضة التي جعل الله ـ بفضله ـ من الاستغفار سببًا لدفع تلك الشرور وجلب المصالح، ولكن ينبغي التنبيه دائمًا وأبدًا على ضرورة الإخلاص في القول والعمل، ومن مقتضيات الإخلاص أن يريد الإنسان بعمله رضا الله وغفران الذنوب وما أُعدَّ له في الأخرة فهو المقصد الأساس، قال ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسيره: «وقوله: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} يقول: فقلت لهم: سلوا ربكم غفران ذنوبكم، وتوبوا إليه من كفركم، وعبادة ما سواه من الآلهة ووحدوه، وأخلصوا له العبادة، يغفر لكم، إنه كان غفارًا لذنوب من أناب إليه، وتاب إليه من ذنوبه»، وقال عليه الصلاة والسلام: «من أحب أن تسره صحيفته، فيكثر فيها من الاستغفار»، [السلسلة الصحيحة (5/ 377)]، وما يتعلق بهذا من جلب مصلحة عاجلة أو دفع شر واقع أو متوقع إنما يلحظه من عرض له، فلا يكون استغفاره للدنيا فقط! فإن تحقق مراده هجر الاستغفار ولا يعاوده إلا إن خشي على دنياه قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20)} [الشورى]. والله المستعان.

راجع للمزيد:

- (هل شرعت العبادات صيانة للنفوس عن العدوان والبغي والظلم).

- (مذاهب الناس في منفعة العبادة وحكمتها).

- (ترغيب الناس بالسجود بتعظيم فوائده الدنيوية).

- (الدعاء والقلق النفسي).

- (القرآن وتعزيز القوى العقلية).

- (تعاليم القرآن الحقيقية).    

جميع الحقوق محفوظة لدى موقع دراسات تفسير الإسلام ©