المنشور:
جاء في هذا المقطع بيان منزلة الأخلاق من نصوص الشرع، وأنها حظيت بجانب كبير من العناية، بخلاف ما هو الواقع من اهمالها عمليًا والتركيز على المظهر والشكل فقط في الدعوة، مع أن هدف الرسالة هو الأخلاق.
التعليق:
1- إنَّ اهتمام الإسلام بالأخلاق إنما هو تنبيه منه على لوازم الاعتقاد الصحيح من الإيمان بالله واليوم الأخر، وهذا ظاهرٌ جدًا في ربط كثيرٍ من المعاملات الأخلاقية التي جاءت النصوص بمدحها ـ كإكرام الضيف وحسن الجوار وغير ذلك ـ، بالإيمان بالله واليوم الأخر، ذلكم أنَّ ما تحمله العقيدة الصحيحة ـ من مراقبة الله في السر والعلن والعمل على طاعته والتقرب إليه ـ مما يدعو لحسن الخلق ومعاملة الناس بحسب ما قررت الشريعة، ولكن من المؤسف أنّ واقع كثير من الأخلاق بين الناس نابعٌ من نظرة دنيوية نفعية تجعل الأخلاق في المعاملات من باب المقايضة وما تهواه النفس مما يسمونه الضمير، الذي هو في الحقيقة العمل بمراعاة نظرة المجتمع وخوف لوم الناس وذمهم.
2- قال عليه الصلاة والسلام: «قال الله تعالى: يشتمنِي ابنُ آدمَ، وما ينبغِي له أنْ يشتمنِي، ويُكَذِّبُنِي وما ينبغِي له، أمَّا شَتْمُهُ فقوله: إنَّ لي ولدًا، وأمّا تكذِيبُهُ فقولهُ: ليسَ يُعِيدُنِي كما بدأَنِي»، أخرجه البخاري (٣١٩٣)، وقال أيضًا: «قال اللَّه عزَّ وجلَّ: يُؤْذِينِي ابنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وأنا الدَّهْرُ، بيَدِي الأمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ والنَّهارَ»، أخرجه البخاري (٤٨٢٦)، إنّ المتأمل في هذين الحديثين وغيرها، سيجد أنّ الله عزَّ وجلَّ جعل هذه الاعتقادات والألفاظ الكفرية ـ من نسبة الولد لله، وانكار المعاد، وسب الدهر، لاعتقاد تصرفه بتقلب الأحول ـ إيذاءً وشتمًا وسبًّا في حقه سبحانه ـ حاشاه عزَّ وجلَّ من كل عيب وسوء ـ مع أنّ كثيرًا من الناس يعدُّون من تصدر عن هذه الأمور في حق غيره من الخلق سيء الخلق ـ وهذا حق ـ، لكن لا يدور في خلدهم أن هذه الاعتقادات في الخالق من أسوء الأخلاق التي لا يغفر لصاحبها إن مات عليها، وهذا مما يؤكد على وجود خلل في مفهوم الأخلاق لدى الكثيرين، حيث يحصروها في معاملة الخلق بينهم!، فكان الواجب على من ينعى سوء الخلق لدى المسلمين، ومن يقول أن أكثر آيات القرآن تتكلم عن الأخلاق المرتبطة بالعقيدة، أن يُبيِّن هذه النقطة ويوضح هذه المسألة، حتى لا يقع خلط في الأولويَّات، فينتج عنه غلوٌّ في المعاملات الأخلاقية بين الناس، وتصبح مقدمة على معاملة الخالق عزَّ وجلَّ، التي هي الخلق الأول والغاية المنشودة التي يجب أن يتحلَّى به المسلم، وبهذا التقرير يُفهم حديث النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق»، فهو بعث لإصلاح الدين والدنيا، لكن بدرجات متفاوتة لذلك يجب على الداعية الانتباه لها وعدم إهمالها.
3- جاء في المنشور أنَّ هدف الرسالة هو تصحيح الأخلاق، وهذا يصح في سياق ما بيَّنَّاه سابقًا، وإلا فإن هدف الرسالات قد جاء يبانه بشكل واضح في نصوص عدّة من كتاب الله وأنّ الهدف الأول هو التوحيد وعبادة الله وحده، والتذكير بالمعاد واليوم الآخر، وطاعته عز وجل فيما أمر والانتهاء عما نهى عنه وزجر، وما قام مركز دراسات تفسير الإسلام إلا لأجل بيان هذا الأصل العظيم.
4- الأصل التركيز على جانب التعبد ومراقبة الله وتصحيح الاعتقاد، وربط معاملات الناس فيما بينهم بهذه القضية، والذي سيكون من نتيجته ـ ولابد ـ تصحيح الأخلاق بينهم. بينما إن عُكس هذا الأمر، فلا يوجد في المعاملات الأخلاقية بين الناس ما يدعوا للعقيدة الصحيحة مع أنها هي المقصودة، وأيُّ خلل يقع في معاملة المسلم مع الناس، لا يكون إلا بسبب يخالف مقتضى العقيدة الصحيحة التي يحملها. والله أعلم.
راجع للمزيد:
- (هل شرعت العبادات صيانة للنفوس عن العدوان والبغي والظلم).
- (مذاهب الناس في منفعة العبادة وحكمتها).