هل الغرب اكتشف سنة صيام النبي صلى الله عليه وسلم؟



 في هذا المقطع سردٌ لعدة دراساتٍ غربيةٍ عن فوائد الصيام الصحية، وفي آخره ادعاء بأن النبي صلى الله عليه وسلم سبق الغرب وحثَّ على صيام ستة أيامٍ من شوال بعد رمضان، لما يعلمه من حقيقة الصيام وفوائده الصحية، وأنه لم يغفل عن ذلك، الشيء الذي أكَّدته بعض الدراسات الحديثة من ضرورة صيام خمسة وثلاثين يومًا على الأقل، لتفادي كثيرٍ من الأمراض والمشاكل الصحية.

التعليق:

1- ليس في هذا المقطع إلا ذكر الفوائد الصحية لمطلق الصيام دون تحديد ما هو نوع هذا الصيام المقصود في هذه الدراسات، مع العلم أنه في غالب الأحيان يكون المراد ليس هو صيامنا المشروع في ديننا من الامساك عن كل أنواع الطعام والشراب، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وذلك لوجود أنواع أخرى من الصيام الذي يعالج ويقي من بعض الأمراض وذلك يكون بترك بعض أنواع الطعام دون بعض، أو ترك الطعام دون الشراب وهكذا، وهذا النوع من الصيام ليس له علاقة بصيامنا مطلقًا.

2- هذه الكثرة الكاثرة من الدراسات عن فوائد الصيام الصحية التي تهتم بها جامعات الغرب، إنما هي نابعةٌ عن نظرتهم المادية للحياة والعبادة، دون اعتبار للمعاني الايمانية أو للحكمة العظمى من الخلق والتشريع وإرسال الرسل وإنزال الكتب، وهذا يخدم فكرتهم أو فكرة بعضهم عن الرسل وأنهم حكماء جاءوا لإصلاح المجتمع وتشريع ما ينفعهم في حياتهم الدنيا وحسب، كما هي نظرة الفلاسفة كابن سينا والفارابي وغيرهم، فلذلك لا تجد من بينهم من أسلم على أثر هذه الدراسات مع أنه قد طبق هذا الصيام وانتفع به سنوات عديدة كما يدعي.

3- هذه الدراسات ـ إن صحت وطابقت صيامنا المشروع في ديننا ـ، لا يلزم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم عالمـًا بها حتى يقال أنه سبق الغرب في اكتشافهم لها، لأنه عليه الصلاة والسلام لم يبعث لهذا، بل بعث كما بعث من قبله من الرسل بالأمر بالتوحيد والعبادة {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]، وهذه هي الغاية من خلق الانسان وبعثة الرسل عليهم الصلاة والسلام، وهذا هو التفسير الصحيح للدين، وأما أصحاب التفسير النفعي للدين، فلم يفهوا حقيقة العبادات إلا بربطها بالمصالح الدنيوية، ولم يدكوا حقيقة التعبد لله المشتمل على التعظيم والمحبة والتذلل له سبحانه، فأغرقوا في التنقيب عن فوائد العبادات المادية ثم ادعوا معرفة النبي صلى الله عليه وسلم لها دون دليل أو برهان.

4- ما يتعلق بصيام ست من شوال، فإن هذه الدراسة تتكلم عن صيامٍ متتابع دون انقطاع لمدة خمس وثلاثين يومًا على الأقل!، ونحن نعلم أن صيام ستة أيام من شوال لا يلزم منه التتابع على الراجح هذا أولًا، ثم ثانيًا: لا بد من إفطار يوم العيد وجوبًا ولا يصح صومه، إذن هذه الدراسة لا يلزم أن تكون معجزة للصيام الذي حث عليه الشرع، فضلًا عن أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم سبق الغرب إليها.

5- بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم فضل صيام ست من شوال بعد رمضان، وأنه يعادل صيام الدهر، وهذا بيان منه عليه الصلاة والسلام لفضل وفائدة هذه الصيام، وما يحصل منه من عظيم الأجر، ولم يذكر أو يلمح لهذه الفوائد المذكورة في الدراسة المزعومة، مع قيام المقتضى وعدم وجود المانع، فالقول بأنه سبق الغرب في معرفة الفوائد الصحية في تشريعه لهذا الصيام ولذلك حثَّ عليه، إنما هو ادعاء عليه، وهو كذلك تحريف لدعوته وللغاية التي أرسل لأجلها وشرع الصيام لها {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [البقرة: 183]، والله أعلم.

راجع للمزيد:

- (مذاهب الناس في منفعة العبادة وحكمتها).

- (المقاصد الكبرى للصيام).

- (نقض التفسير النفعي للصيام).

- (المقصود من الصيام للشيخ ابن عثيمين).

- (هل سمعت بصيام البطريق؟).

- (الصيام وحفظ المناعة).

جميع الحقوق محفوظة لدى موقع دراسات تفسير الإسلام ©