الصيام وحفظ المناعة



كثر الكلام في وسائل التواصل الإجتماعي والمواقع العالمية في هذه الأيام عن فوائد الصيام في حفظ المناعة، وكان منها هذه التغريدة التي تقول:

نص المنشور:

دراسة تظهر أن الصيام يجدد خلايا الدم البيضاء القديمة بخلايا جديدة وهي الخلايا المسؤولة عن الدفاع في الجسم وبالتالي تقوي المناعة.

التعليق:

1- الصيام عبادة من أهم العبادات وصوم رمضان من أركان الإسلام، والإسلام في حقيقته إسلام الوجه لله بإخلاص العمل ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس في تصدير مثل هذه الدراسات إخلاص في العمل أو متابعة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم.

2- شرع الله الصيام وغايته التقوى بنص الآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) } [البقرة]، والتقوى هي طاعة الله فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر تحقيقًا لعبوديته وطلبًا لمرضاته وجنته واتقاءً لعذابه وسخطه، والعبادة على غير هذه النية من العمل المردود، قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16)} [هود].

3- المقصد الصحيح من الصيام تحقيق العبودية لله تعالى، فهو الأصل الذي يجب ابرازه وإظهاره، وأما المنافع المترتبة على الصيام فهي ـ إن صحت ـ تستخدم في حدود ضيقة، فمثلًا تستخدم من باب إظهار ما أودعه الله تعالى في العبادات من المصالح الدنيوية ترغيبًا لعباده وإظهارًا لما تحمله هذه الشريعة من صلاح الدنيا والآخرة، أو كردٍّ على الذين يقلِّلون من شأن الصيام ويدَّعون ضرره على الإنسان، فيمكن أن يواجهوا بمثل هذه الدراسات، وأما أن تجعل ـ هذه الفوائد ـ هي الأصل في الكلام عن الصيام عمومًا فلا.

4- إن من أنجع الأساليب في تقوية مناعة الناس، هي تربيتهم على تحقيق العبودية لله تعالى التي خلقوا لأجلها، وهي العلة والغاية من بعثة الرسل، فحاجة الناس لمناعة ضد الشهوات والشبهات التي تضعف الصلة بالله في التعبد والتذلل له سبحانه، أشد من حاجتهم لمناعةٍ غايتها حفظ هذا الجسد البالي.

5- هذا التعليق ليس تقليلًا من شأن حفظ الصحة والتداوي - وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتداوي وأرشد إلى قواعد في حفظ الصحة في غير ما حديث -، وإنما هو تنبيه وتحذير حتى لا يُستغلَّ هذا الكلام في تحريف مقصود العبادات وقلب مقاصد الشريعة وجعل الوسائل مكان الغايات، فيعود بضرر أعظم من المصلحة المظنونة، وما العيش إلا عيش الآخرة قال تعالى: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64)} [العنكبوت]، والله اعلم.

راجع للمزيد:

- (المقاصد الكبرى للصيام).

- (نقض التفسير النفعي للصيام).

- (المقصود من الصيام للشيخ ابن عثيمين).

- (هل سمعت بصيام البطريق؟).

جميع الحقوق محفوظة لدى موقع دراسات تفسير الإسلام ©