هل شرعت العبادات صيانة للنفوس عن العدوان والبغي والظلم



في تغريدة لسلمان العودة قال فيها:

العبادات شرعت لصياغة نفوس عالية الروحانية، قادرة على التوقف عن العدوان والبغي والظلم أيًا كانت الدوافع والمغريات {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.

التعليق:

1- في هذا الكلام تحريف لمفهوم العبادة وغايتها، وجعل ما يكون من فوائدها في مرتبة الغاية والهدف، فينتج عنه ـ بالضرورة ـ أن من كفَّ عن الظلم والبغي فقد حقق الغاية التي شرعت لها العبادات، إذن فلا حاجة للعبادات لمن حقق تلك الغاية، وهذا لازم كلامه لو التزمه فهو على خطرٍ عظيم، وهو الذي التزمه فعلًا بعض متصوفة الفلاسفة، يقول ابن القيم رحمه الله متحدثًا عن طائفةٍ من طوائف الصوفية المتفلسفة في مفهومها لحقيقة العبادة وما شرعت له: «الطائفة الثانية: من تفلسف من صوفيّة الإسلام وتقرَّب إلى الفلاسفة، فإنهم يزعمون أنَّ العباداتِ رياضاتٌ لاستعداد النُّفوس وتجرُّدها، ومفارقتها العالمَ الحسِّيَّ، ونزول الواردات والمعارف عليها.

ثم من هؤلاء من لا يوجب العبادات إلا لهذا المعنى، فإذا حصل لها بقي مخيَّرًا في حفظه أوراده، أو الاشتغال بالوارد عنها.

ومنهم من يوجب القيامَ بالأوراد والوظائف وعدم الإخلال بها، وهم صنفان ـ أيضًا ـ: أحدهما: يوجبونه حفظًا للقانون، وضبطًا للنفوس. والآخرون: يوجبونه حفظًا للوارد، وخوفًا من تدرُّج النَّفس بمفارقته إلى حالتها الأولى من البهيميَّة». مدارج السالكين (1/ 147-148). ط. دار عالم الفوائد.

2- العلماء الربانيون يعبرون بتعبيراتٍ واضحةٍ لا تلبيس فيها ولا غموض فقوله: «نفوس عالية روحانية»، من تعبيرات الفلاسفة الغامضة التي تكثر على ألسنتهم ويقصدون بها ـ أي: الفلاسفة ـ مقاصد كفرية لا يقرها أهل الملة، والأولى أن يكون التعبير بـ «نفوس ملأها الإيمان والتقوى والخضوع لله ومحبته» أو ما شابه ذلك.

3- الصحيح أن العبادات شرعت تعبدًا وتذلُّلًا لله، يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: «فالعبادات يقصد بها أن يقوم الإنسان بنفسه فيها، ليتم له التعبد والتذلل لله سبحانه وتعالى، ومن المعلوم أن من وكل غيره فإنه لا يحصل على هذا المعنى العظيم الذي من أجله شرعت العبادات». مجموع الفتاوى والرسائل (21/ 136).

ولها ـ بلا شك ـ أثرٌ في إصلاح النفوس وكفِّها عن الظلم والبغي، بل قد يكون الظلم والبغي سببًا لنقص حسناتها بل في فنائها، فقد أخر مسلم في صحيحه (2581) وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟» قالوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فقال: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ». والله اعلم.

راجع للمزيد:

- (مذاهب الناس في منفعة العبادة وحكمتها).

جميع الحقوق محفوظة لدى موقع دراسات تفسير الإسلام ©