الفكر الإسلامي، والتصور الإسلامي



الفكر الإسلامي، والتصور الإسلامي:

شاع استعمال هذه المصطلحات في كتابات المعاصرين، وكثرت مؤلفاتهم فيها، وموضوعها عرض الإسلام وأحكامه ونُظُمه ومقاصده بأسلوب عصريٍّ، يمثِّلُ أمشاجًا من العلم والفقه والفكر والثقافة والفلسفة، يحاول التوفيق بين الميراث النبوي والمذاهب الفلسفية والفكرية القديمة والمعاصرة، وتقديم إجابات لمشكلات العصر وتحدِّياته.

لا توجد منهجيَّة علمية واضحة للكتابات في هذه المجالات، بل هي تخضع لـ: «فكر» و«تصور» و«ثقافة» أصحابها؛ فكلما كان الكاتب أرسخ في العلم الشرعي، وأكثر انضباطًا في فهم النصوص الشرعية والاستنباط منها؛ كان أقرب إلى الحقِّ وأبعد عن الخطإ والشذوذ([1])، والعكس صحيح، وهو الأغلب الأعمُّ، لأن أكثر الذين عُرفوا بالكتابة في هذا المجال بعيدون عن الالتزام بالمنهج الشرعي المنضبط ـ الذي التزمه المفسرون والفقهاء والمفتون والمجدِّدون عبر العصور ـ إما لجهلهم بعلوم الكتاب والسنة، وإما لغلبة النزعات الفلسفية والفكرية والسياسية والحزبيَّة عليهم، ومعاناتهم من «عُقدة النقص» أمام الحضارة الغربية المعاصرة([2])، لهذا ظهرت في كتاباتهم تحريفات وتأويلات كثيرة للنصوص والأحكام، وآراء شاذَّة ومنكرة، هي نتاج طبيعي للإضافة في هذه المصطلحات، وهو ما انتبه إليه بعض المنتمين إلى هذه المدرسة الفكرية نفسها، فقال: «حاول كثير من الكُتَّاب الإسلاميين أن يستعملوا «الفكر الإسلامي»، أو «الفكرة الإسلامية» بمعنى الإسلام.

غير أن هؤلاء ـ مع فضلهم ـ قد وقعوا في خطإٍ كبيرٍ، دون أن يتقصَّدوا ذلك. إذ كيف يمكن أن يكون الوحيُ الإلهيُّ مظهرًا للفكر الإنساني؟ فالفكر إفراز عقليٌّ لإدراك ما حوله من وجود. وإذا كان هذا المعنى: «الفكر الإسلامي» يصحُّ على ما أنتجه الفكر المسلم الذي ينطلق من الإسلام في مضامير الحياة كلها، فإنه أبدًا لا يجوز أن يُستعمل للدلالة على الوحي الإلهي للإسلام حتى لا يؤدي إلى الخلط بين الوحي والفكر.

فالإسلام معصوم كله، بينما الفكر الإسلاميُّ ليس معصومًا ولا مقدَّسًا، يحتمل الخطأ والصواب والمراجعة في عصره وفي العصور التالية.

وحاول بعض مفكري الإسلام أن يضع بدل «الفكر الإسلامي» مصطلح «التصور الإسلامي»؛ وهذا خطأ مثله. لأن التصور عملية فكرية محضة، تحتمل الصدق والكذب، كما هو ثابت في علم المنطق([3])، فلا يمكن أن يستعمل التصور بمعنى كليَّات الوحي الإلهي، بل قد يستعمل بمعناه الثاني الذي يدل على أنه إفراز للعقل، وليس معصومًا ولا مقدسًا»([4]).

لهذا قال محمد بن صالح العثيمين: «إذا قيل: «الفكر الإسلامي» فهذا يعني أن الإسلام فكر، وإذا كان القائل بهذا التعبير يريد «فكر الرجل الإسلامي» فليقل: «فكر الرجل الإسلامي»، أو «المفكر الإسلامي»، وبدلًا من أن نقول: «الفكر الإسلامي» نقول: «الحكم الإسلامي» لأن الإسلام حكم، والقرآن الكريم إما خبر وإما حكم، كما قال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنعام: 115]»([5]).


([1]) والفتنة بهذا الصنف أعظم وأخطر لأن حالهم تلتبس على كثير من الناس، وينخدع بهم البسطاء والعوام.

([2]) تظهر «عقدة النقص» في صورة القبول المشروط، أو الإعجاب والانبهار بالحضارة الغربية، كما تظهر ـ أيضًا ـ في صورة الرفض المطلق والغلو في معاداتها فكرًا وثقافةً وممارسةً. وأصحاب هذا الاتجاه الأخير يصرون على تقديم «البديل الإسلامي» للمنافس «الغربي» من خلال صياغة ما يسمونه بالفكر الإسلامي أو النظام الإسلامي أو المذهبية الإسلامية.

([3]) العلم ـ عند المناطقة ـ قسمان:

أحدهما: علم بذوات الأشياء، ويسمَّى تصورًا.

والثاني: علم بنسبة تلك الذوات بعضها إلى بعضها بسلب أو إيجاب ويسمى تصديقًا. «معيار العلم» لأبي حامد الغزَّالي، تحقيق: د. سليمان دنيا، دار المعارف، القاهرة: 1961م، 265.

([4]) «المذهبية الإسلامية والتغيير الحضاري»، 18.

([5]) «مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين»، جمع وترتيب: فهد بن ناصر السليمان، دار الوطن، الرياض: 1413، 3/121، وانظر: «معجم المناهي اللفظية» لبكر بن عبد الله أبو زيد، دار العاصمة، الرياض: 1417، 360، 417.

جميع الحقوق محفوظة لدى موقع دراسات تفسير الإسلام ©