الثقافة الإسلامية:
أما «الثقافة» فهي في العربية من: «ثقف الشيء ثقفًا وثقافًا وثقوفةً: حذقه. ورجل ثقِفٌ وثقْفٌ وثقُفٌ: حاذِقٌ فهِمٌ، وأتبعوه فقالوا: ثقف لقف... وثقيف لقيف بيِّنُ الثقافة واللقافة. وهو غلام لقِنٌ ثقفٌ؛ أي ذو فطنة وذكاء، والمراد أنه ثابت المعرفة بما يحتاج إليه»([1])، وقال الزمخشريُّ: «ومن المجاز: أدَّبه وثقَّفه. ولولا تثقيفُك وتوقيفُك لما كنت شيئًا. وهل تهذَّبت وتثقَّفت إلَّا على يدك؟!»([2]).
وقد شاع في عصرنا استعمال هذه الكلمة بالمعنى الاصطلاحي المرادف في الترجمة للكلمة اللاتينية: Culture، «وهي بمعناها العام: اكتساب الحذق والفهم، وبمعناها الضيق: تنمية بعض الملكات العقلية، أو تسوية بعض الوظائف البدنية، ومنها تثقيف العقل، وتثقيف البدن، ومنها الثقافة الرياضية، والثقافة الأدبية، أو الفلسفية.
والثقافة بمعناها الواسع إنارة الذهن، وتنمية الذوق والحس النقدي والحكم لدى الفرد والمجتمع بواسطة الاكتساب.
ويستخدم مصطلح «الثقافة» للدلالة على مجموع المواقف والأعراف والتقاليد والمعتقدات والمفاهيم والقدرات والأفعال والصيغ الاجتماعية التي تمارسها الجماعات الإنسانية، وتشمل القيم التي تتناقلها الأجيال بواسطة التربية والاتصال الاجتماعي.
ويعدُّ تايلور E.Taylor أول من قدم تعريفًا علميًّا للثقافة، في كتابه «الثقافة البدائية» (1871م) ـ وإن كان المفهوم قد عرف قبل ذلك بكثير ـ فقد استخدم الثقافة مرادفًا للحضارة، إذ يقول: «الثقافة أو الحضارة هي هذا المجمل المتشابك المشتمل على المعرفة والمعتقدات والفنون والأدب والأخلاق والقانون والعرف، وكل القدرات والممارسات الأخرى التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضوًا في مجتمع».»([3]).
لقد طرحت تعريفات كثيرة للثقافة دون أن يتحقق اتفاق حولها بين الباحثين، ويكفي القول أن هناك اتجاهين في تلك التعريفات:
أحدهما: ينظر للثقافة على أنها تتكون من القيم والمعتقدات والمعايير والتفسيرات العقلية والرموز والأيديوجيات، وما شاكلها من المنتجات العقلية.
أما الاتجاه الآخر: فيرى الثقافة على أنها تشير إلى النمط الكلي لحياة شعب ما، والعلاقات الشخصية بين أفراده، وكذلك توجهاتهم([4]).
كان مالك بن نبي (ت: 1393/1973) من أوائل الإسلاميِّين الذين تعرَّضوا لتعريف هذا المصطلح، حيث قال: «الثقافة تعرَّفُ بصورة عملية أنها: مجموعة من الصِّفات الخُلُقية والقِيم الاجتماعية التي يُلقَّاها الفردُ منذ ولادته، كرأس مال أوليٍّ في الوسط الذي ولد فيه، والثقافة ـ على هذا ـ هي المحيط الذي يشكل فيه الفرد طباعه وشخصيته.
وهذا التعريف الشامل للثقافة هو الذي يحدِّد مفهومها، فهي المحيط الذي يعكس حضارة معينة، والذي يتحرك في نطاقه الإنسان المتحضر. وهكذا نرى أن هذا التعريف يضم بين دفتيه فلسفة الإنسان وفلسفة الجماعة، أي (معطيات) الإنسان، و(معطيات) المجتمع، مع أخذنا في الاعتبار ضرورة انسجام هذه المعطيات في كيان واحد، تحدثه عملية التركيب التي تجريها الشرارة الروحية عندما يؤذن فجر إحدى الحضارات»([5]).
هذه النبذة الموجزة عن «الثقافة» تدلُّنا على صلتها بقضية «تفسير الإسلام»، حيث اجتهد كثير من الكتاب الإسلاميين إلى أسلمة الثقافة من خلال إبراز «الثقافة الإسلامية» من حيث كونها مجموعة العلوم والمعارف والقيم المكونة لعقلية المسلم وشخصيته، والمميزة لخصائص المجتمع المسلم والأمة المسلمة.
وفي هذا الإطار: يتم التعرُّض إلى تفسير حقائق الدين وغاياته ومقاصده.
([1]) «لسان العرب» لابن منظور، مادة: (ثقف).
([2]) «أساس البلاغة» دار الكتب العلمية، بيروت: 1419، 1/110.
([3]) «الموسوعة العربية» 7/307، مادة: (الثقافة). وقد أجريت على ترجمة كلام تايلور بعض التقويم استنادًا إلى ترجمة أخرى له في «نظرية الثقافة» لميشيل تومبسون وآخرين، ترجمة: د. علي سيد الصاوي، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت: 1997م، من التقديم: 9.
([5]) «شروط النهضة» دار الفكر، دمشق: 2013م، 89-90. ولمالك بن نبي كتاب: «مشكلة الثقافة»، وفيه مناقشة وافية للمصطلح.