الصلاة وتنظيم السير



نص المنشور:

هذه الصورة توضح تناقضات كثيرة بين الدين وتطبيقات الحياة لماذا لم يفهم الفرد أن نظام الاصطفاف في الصلاة جاء لينظم حياتنا.

التعليق:

1- النظام والتنظيم من محاسن هذا الدِّين ومما يرغب فيه الشرع ويدعو له العقل، ووسائل الدعوة للتنظيم والنظام كثيرة، فلماذا اللجوء الى العبادات وربطها بالمنافع الدنيوية؟ مع أن الله عز وجل لو أراد ذلك منا لبيَّنه لنا على لسان رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم.

2- تنظيم صفوف الصلاة جاءت الشريعةُ بالأمر به في فعل محدد يسير، ليس في الالتزام به حرج ولا مشقة، أما تنظيم شؤون الحياة الدنيوية؛ فقد تركه الشارع الحكيم لعقول الناس وأعرافهم وعوائدهم وتقاليدهم، والأقوام يختلفون في هذه الأمور اختلافًا كبيرًا، تبعًا لخصائصهم هذه، وتبعًا للظروف البيئية والمادية المحيطة بهم، فإلزامهم بنظام محدد فيه مشقة بالغة وحرج كبير، وهذا مما يخالف سماحة الشريعة، فكانت القاعدة الشرعية الكلية في الأمور الدنيوية: (الأصل في العادات والمعاملات الإباحة)، فينظم كل قوم شؤونهم بما يوافق طباعهم وعوائدهم، ما لم يخالفوا في ذلك شريعة محكمة، ولم يضيعوا أمرًا، لكن الشريعة السَّمحة وضعت لتصرفاتهم قيودًا وضوابط، فأمرتهم بالعدل والصدق والوفاء والالتزام بالعهود والمواثيق وطاعة ولاة الأمر في تنظيم أمور المجتمع، وحفظ نفوس الناس وأموالهم وأعراضهم، ونهت عن الظلم والتعدي على حقوق الغير والغدر والخيانة والتبذير والإسراف، كما نهت عن الإخلال بأمن الناس وسلامتهم، وشددت في تحريم وضع الأذى في الطرق وقطعها؛ فمن سلم من هذه الأمور كلها، فلم يضيع أمرًا، ولم يرتكب محرمًا، فهو حرٌّ في تصرفاته وسلوكه. وهذا بخلاف الأفكار الحديثة والأنظمة العصرية التي تجعل الناس مقيدين مثل العبيد والسجناء، فمن خالف ـ من الأفراد أو المجتمعات ـ بتصرف أو أسلوب خاصٍّ به ـ لم يرتكب فيه محرمًا، ولا اعتدى على حق أحد ـ؛ ذموه وعيروه ووصفوه بقبائح الصفات. وهذا في الحقيقة من التطرف الفكري والعنصرية وعدم احترام اختلاف الأمم في عاداتها وثقافاتها.

3- نظام الاصطفاف في الصلاة جاءت السنَّة ببيان سببه وأثره، فقد أخرج مسلم (430) من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: «أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟» فقلنا يا رسول الله، وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: «يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ». وهذا السبب.

وأما الأثر: فقد أخرج البخاري (717) من حديث النُّعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ». وفي رواية لابي داود (662): «بَيْنَ قُلُوبِكُمْ». وهذا واضح في أن ترك هذه السنَّة الظاهرة يوقع في الاختلاف بين القلوب والوجوه وهو من الأمور الباطنة، وهذا هو الأثر الذي يجب إبرازه وإظهاره وليس القول بأنَّ الصف جاء لينظم الحياة!!.

4- ممكن أن يقال: إن العبادة التي هي الغاية من الخلق جعلها الله بنظام وتنظيم في الأوقات والهيئات وغير ذلك، فلماذا لا نجعل من حياتنا الدنيا التي خولنا الله التصرف فيها قائمةً على التنظيم وترك الفوضى، وهذا أفضل من جعل غاية العبادة هي تنظيم الدنيا وحسن التصرف فيها.

5- هذه الدعوى تُفقد الإخلاص في أداء العبادة، فطاعة الله في تنظيم صفوف الصلاة غايته أن تؤدى العبادة على الوجه الذي يحبه الله ويرضاه، لننال مرضاته ونفوز بجنته وتجتمع قلوبنا على محبته وإجلاله سبحانه، وأما ذاك التوجيه فيربط العبادة بالدنيا فتجد من يقول: لا خير في صلاتكم ما لم تحسنوا دنياكم وتنظموا سيركم!، فشتان بين الوحي والفكر. والله أعلم.

راجع للمزيد:

- (الطاقة المزعومة والسجود).

- (هل شرعت العبادات صيانة للنفوس عن العدوان والبغي والظلم).

- (العبادة والصحة الجسدية).

- (هل سمعت بصيام البطريق؟).

- (السجود والتفكير الجيد).

- (ترغيب الناس بالسجود بتعظيم فوائده الدنيوية).

- (الخشوع وهرمون الإندروفين).

جميع الحقوق محفوظة لدى موقع دراسات تفسير الإسلام ©