الثورة عبادة



نص المنشور:

تغريدة في (تويتر) بتاريخ 3/2/2014م. ما نصه:

(علاء صياد

يخطئ من يظن أننا نقاوم الاستبداد فقط من أجل اكتساب الحرية وبناء مصر التي حلم بها الشهداء، ولكن لأنها في الأساس عبادة)

ومن المؤسف أن يعيد هذه التغريدة من يزعم الانتساب للعلم الشرعي ويلبس العمامة الأزهرية.          

التعليق:

  • قلب كاتب هذه التغريدة مفهوم العبادة، - التي غايتها العظمى وعنوانها الأسمى تعظيم الرب والتذلل له بالأعمال الظاهرة والباطنة لنيل رضاه والبعد عن عضبه وسخطه، - إلى أعمال همجية ناتجة عن مطامع دنيوية للوصول للسلطة والحكم.
  • كلام الكاتب نابع من عقيدة متجذرة عند أصحاب التفسير السياسي للإسلام ، الذي ينقل مسألة الولاية والحكم والسياسية والسلطة من مكانها الفرعي في الدين - والتي بحثها العلماء في باب مشهور من أبواب الفقه ، والمسمى بالسياسة الشرعية أو أبواب الإمارة - إلى قضية مركزية تجعل منها قطب الرحى التي تدور عليها كل أحكام الشريعة ، سواء في العقائد أو الأعمال, فلذلك لا غرابة في اعتبار الثورات على الحكام عبادة!!, لأن القوم يرون أن العبادات الأصلية شُرعت أصالةً لإصلاح المجتمع وتحقيق العدل ،فمن باب أولى أن تكون مقاومة الحكَّام بالخروج عليهم وإثارة الفتن عبادة، فبحسب منطقهم تكون هذه المسألة أمسّ بقضيتهم من الصلاة والصيام وغير ذلك من العبادات الأصلية.
  • النهي عن المنكر ثمرته وغايته تحقيق العبودية لله بالنهي عمَّا يغضب الله في العقائد والأعمال، وعندما يتحول هذا النهي صاداً عن تحقيق هذه العبودية، لما يجره من منكرا أعظم، فعند ذلك يصبح النهيُ منهيًا عنه لذاته ومنكرًا، وذلك لعدم تحقيق المصلحة المرجوة منه، ولهذه الحكمة نهى الشارع عن الخروج على الحكَّام لما يحمله ذلك من المفاسد التي لا تحقق الغاية من الخلق. قال ابن القيم - رحمه الله - : (النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره، وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله، وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم؛ فإنه أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر)([1]).

وأما أصحاب هذا التفسير المنحرف فالغاية عندهم معكوسة منكوسة، فكل شيءٍ قابل للتضحية، بل لا قيمة لعبادة الله وتوحيده في ظلِّ حكم مستبد بزعمهم!!، فلا عجب أن تكون الثورات بما فيها من مفاسد ومنكرات من أفضل العبادات، فالحكم غاية تهون في سبيلها كل الخسارات!

  • النبي لم يأذن بالخروج على الحاكم المسلم الظالم، وعندما أخبر أصحابه عن الحكَّام الظلمة - الذين يستأثرون بالدنيا دون الرعية، ويسألون الناس الطاعة ويمنعونهم حقهم - أجاب بقوله: «أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ، وَسَلُوا اللَّهَ حَقَّكُمْ»([2]) فإن إن كانت عبادة الله بما لم يشرع مردودة غير مقبولة، بل هي تشريع ما لم يأذن به الله، قال تعالى {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21] فكيف بمن يجعل مخالفة ما أرشد إليه النبي ‘عبادة؟!!
  • إنَّ اعتبار الخروج على الحاكم الظالم عبادة هو عين اعتقاد الخوارج، قال شيخ الإسلام رحمه الله - وهو يتكلم عن الخوارج ومن وافقهم من أهل الأهواء: (فإن أهل الديانة من هؤلاء يقصدون تحصيل ما يرونه دينًا. لكن قد يخطؤون من وجهين: أحدهما: أن يكون ما رأوه دينًا ليس بدين، كرأي الخوارج وغيرهم من أهل الأهواء، فإنهم يعتقدون رأيًا هو خطأ وبدعة، ويقاتلون الناس عليه، بل يكفرون من خالفهم، فيصيرون مخطئين في رأيهم، وفي قتال من خالفهم أو تكفيرهم ولعنهم. وهذه حال عامة أهل الأهواء....)([3])

راجع:

(الجهود العلمية في نقض التفسير السياسي للإسلام)

(بل التفسير السياسي قنطرة العلمانية)

(داعش صنيعة التفسير السياسي)

الهوامش:

([1]) أعلام الموقعين عن رب العالمين (3/ 12)

([2]) صحيح البخاري (9/ 47)

([3]) منهاج السنة النبوية (4/ 536)

جميع الحقوق محفوظة لدى موقع دراسات تفسير الإسلام ©